كمال حبيب ليلة القدر هي ميزان العام كله وهي قلب العام وعقد الواسطة فيه ، فهي ليلة القدر التي يدبر الله أقدار عباده فيها للعام كله ، وهي الليلة التي تتنزل فيها الملائكة والروح – أي جبريل – علي عباده بكل ألوان الخير والبركات ، ويكفي أن الله قال عنها " خير من ألف شهر " . وفي ليلة القدر هذه تعمر المساجد وتشد الرحال إلي المساجد الجامعة الكبيرة ليجتمع الناس علي الطاعة والعبادة ويفرحون مع السماء بهذه الليلة التي هي " سلام حتي مطلع الفجر " ، فأبواب الجنة تفتح وأبواب المساجد تفتح والناس محتشدون مابين راكع وساجد وداع ، كلهم مشتغل بالذكر والعبادة ، وفي ليلة مباركة هذه ذهبت إلي الجامع الأزهر أعرق مساجد مصر وأعظمها ، فوجدت رواداً أغلبهم من الريف جاءوا يحيون الليلة الكريمة ، ووجدت الناس وحداناً وزرافات كلهم يصلي بدون إمام جامع لهم . وحزنت جدا وتساءلت وكانت معي زوجتي هل هذا معقول ؟ أين يكون الأزهر بكل عراقته وعظمته في ليلة كهذه بلا إمام يجمع الناس علي الصلاة خلفه لإحياء ليلة القدر العظيمة ، أين شيخ الأزهر وأين القائمون علي أمر المسجد الذي وجدت مكاتبهم مغلقة خاوية تعلو أرائكها الصدأ والتراب . هل معقول أن ينفض أئمة المسجد الكبير عن رواده في ليلة كهذه كي يستمتعوا في بيوتهم بدفء الخمول والدعة وتناول أطايب الطعام دون أن يكون في مواقعهم الحقيقية مع الناس البسطاء الذين لا يزال لديهم حسن ظن بالأزهر ، من المسئول عن ذلك ؟ من المسئول عن منع الناس من علمائهم ؟ ومن المسئول عن جعل الأزهر بكل عراقته ساحة فضاء لرواد بلا إمام يجمعهم علي القيام . فقبل أيام كان هناك منتدي الفكر الإسلامي الذي ترعاه وزارة الأوقاف وهي منتدي احتفالي تنفق عليه ملايين الجنيهات ، أما كان أولي بوزير الأوقاف أن يعين شيخاً للأزهر ليجتمع الناس خلفه للصلاة ، وحتي رواق أو صوان المنتدي اختفي قبل أوانه واختفي معه معرض الكتب فلماذا لم يستمر علي الأقل حتي بعد ليلة القدر . من المسئول عن قصد تواري مؤسسات الدين الجامعة وانزوائها عن الناس في مناسبات كان لا بد من حضورهم ووجودهم ليراهم الناس ويقتربوا منهم ، ويستمعوا ويتعلموا ويضمهم جميعا سلام ليلة القدر . إن آلاف المساجد في القاهرة كانت ممتلئة عن آخرها بروادها وعلمائها وشيوخها لإحياء ليلة القدر وكان معظم الحشود التي توجهت لإحياء ليلة القدر هم من الشباب والفتيات ، وكان حريا بالأزهر أن يكون له حضوره وتواجده وتواصله مع هؤلاء الشباب . إن زوايا صغيرة أو متوسطة استطاعت أن تثبت جدارة خير من الجامع الأزهر بسبب تواجد علمائها ومشايخها في هذه الليلة وارتبط بهم الجمهور والناس والشباب بينما يؤثر الأزهر الانزواء والانسحاب والانكفاء في مناسبة لا يملؤها غيره ، إن الله سيحاسب شيخ الأزهر ومسئوليه عن التفريط في عمارة المسجد الكبير في ليلة القدر العظيمة ومن يتهرب من مسئولية كهذه له نصيب من قول الله تعالي " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين " ، فليس معني منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله بإغلاقها ولكن أيضاً بإهمال عمارتها والقيام علي أمرها – ولا حول ولا قوة إلا بالله أصبحت مؤسساتنا الدينية تقوم بالأمرين علي خير وجه – الإغلاق والإهمال – هل معقول أن تكون المؤسسات التي قامت لعمارة المساجد والاهتمام علي أمرها وفتحها للناس دواماً متصلاً تكون هي نفسها المعنية بإغلاق المساجد وإضاعة عمارتها والاهتمام بأمرها . ذهبنا لمسجد الحسين فوجدناه وقد خصص له إمام يقوم بالناس ومن ورائه جمهور كبير ، وكان عشرات الآلاف ذهبوا لمسجد " عمرو بن العاص " وجميع مساجد مصر . كانت بهجة الليلة عظيمة ، وكانت مفاجأة لي الأعداد المهولة التي جاءت إلي المساجد لتحي الليلة تاركة ديارها وأهلها في معني للهجرة عجيب ، شعب مصر عمقه الديني كبير وأي مشروع لنهضته لا يحمل الدين بين طياته وجوانبه هي مشروع محكوم عليه بالزوال ، مستقبل أي مشروع لنهضة مصر لا بد وأن يحمل في جوانحه وبين عروقه وفي قلب عظامه الدين ، ومن لا يريد التصديق من العلمانيين والحداثيين فليذهب إلي مساجد مصر يتطلع إليها في ليلة القدر . [email protected]