استقبلت الإسكندرية مولد محمد محمد الفحام فى 18 من سبتمبر 1894م، ونشأ فى أسرة كريمة عُنيت بولدها، فعهدت به إلى من يحفّظه القرآن ويجوّده، فلما أتمه التحق بالمعهد الدينى بالإسكندرية، وفى المعهد تفتحت مواهبه، ولفت الأنظار إليه حتى إن شيخ الأزهر "سليم البشرى" أثنى عليه حين اختبره فوجده مُلمًّا بالنحو فاهمًا لدقائقه، وكان أساتذته فى المعهد يهدونه مؤلفاتهم تقديرًا منهم لذكائه ونبوغه، ونال "العالمية النظامية" بتفوق بعد امتحان أداه بالجامع الأزهر فى سنة 1922م. بعد التخرج، عمل "الفحام" بالتجارة فترة من الوقت لضيقه بالقيود الوظيفية، لكن رغبته العارمة فى الاشتغال بالعلم جعلته يتقدم لمسابقة أجراها الأزهر لاختيار مدرسين للرياضيات وفاز فى المسابقة، وعُين فى سنة 1926م مدرسًا فى المعهد الدينى بالإسكندرية، وقام بتدريس الرياضيات إلى جانب علوم الحديث والنحو والصرف والبلاغة.. ثم نُقل إلى كلية الشريعة سنة 1935م لتدريس المنطق وعلم المعانى، وبعد سنة اختير للسفر إلى بعثة فى فرنسا، وطالت إقامته بفرنسا بسبب اشتعال الحرب العالمية الثانية، ونجح بجده واجتهاده فى أن ينال الدكتوراه من جامعة السربون سنة 1946 م.. وبعد عودته عمل مدرسًا بكلية الشريعة، ثم نقل منها إلى كلية اللغة العربية لتدريس الأدب المقارن والنحو والصرف، ثم انتدب إلى جانب عمله للتدريس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، ثم عين فى سنة 1959م عميدًا لكلية اللغة العربية، وظل فى منصبه حتى أحيل إلى المعاش سنة 1960م. سافر إلى معظم البلاد العربية ممثلاً عن الأزهر، وزار نيجيريا فى سنة 1951م بتكليف من مجلس الأزهر الأعلى للوقوف على حال المسلمين، وذهب إلى باكستان سنة 1961م لوضع المناهج الدراسية لتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية بأكاديمية العلوم الإسلامية والعلوم الشرعية، وفى أثناء إقامته هناك زار الهند واتصل بالهيئات الإسلامية بها، وقابل علماءها، ووثق الروابط بينها وبين الأزهر.. ورحل إلى موريتانيا سنة 1963م ممثلاً للأزهر لدراسة أحوال المسلمين فيها، والوقوف على حاجتهم إلى المعلمين من الأزهر، وتعددت رحلاته إلى إندونيسيا واليابان وأسبانيا وغيرها، وكان يقول إنه خرج من حصيلة سفره الكثير إلى بعض بلاد العالم بأن المسلمين مقصرون فى تبليغ رسالتهم، وأن العالم مستعد لقبول الإسلام لو أحسن القائمون عليه عرضه، وتقديمه لهم بصورة جيدة. وفى 17 من سبتمبر 1969م صدر قرار جمهورى بتعيينه شيخًا للأزهر خلفًا للشيخ "حسن المأمون"؛ فنهض بأعباء المنصب ومسئولياته فى ظل ظروف صعبة كانت تمر بها البلاد، فى أعقاب نكسة يونيه 1967.. وفى سنة 1972م اختير الإمام الأكبر لعضوية مجمع اللغة العربية فى القاهرة، ولم تطُل مشيخة الفحام للأزهر، فطلب من المسئولين إعفاءه من المنصب الجليل لرغبته الملحة فى الراحة بعد أن كبر سِنِّه، فوافق رئيس الجمهورية على طلبه، وصدر قرار منه بتعيين الدكتور عبد الحليم محمود شيخًا للأزهر فى سنة 1973م، وقضى الشيخ وقته فى القراءة وكتابة البحوث واكتفى بنشاطه فى المجمع اللغوى حتى لقى الله فى مثل هذا اليوم عام 1980م.