طوال عصر الخميس وعلى مدار عدة نشرات إخبارية كان الخبر الرئيسي في صدر نشرات قناة "العربية" يقول نصًا: (مرسي يفتتح عهده بحبس الصحفيين)، رغم أن القضية لا صلة لها بالرئيس محمد مرسي، وإنما بالقضاء الذي أصدر هذا القرار المفاجئ بالحبس الاحتياطي لرئيس تحرير صحيفة الدستور وهو قرار قانوني فعلا بموجب نص قانوني موجود منذ عهود سابقة وقبلت نقابة الصحفيين السكوت عليه في عصر مبارك، أي أن النص القانوني لم يأتِ به مرسي ولا القضية حركها مرسي، ولكن جهود التحرش بالرئيس مرسي من قبل الفلول والكارهين للتيار الإسلامي دفعت قناة العربية أحد أبرز مؤيدي الفريق شفيق وخصوم الإسلاميين في الخليج إلى مثل هذا العنوان العدواني والذي يفتقر إلى أبجديات الحياد الإعلامي، فضلاً عن أنه عنوان كاذب ومضلل، وهو موقف ضمن سلسلة مواقف تصر عليها القناة حتى الآن في تعزيز كراهيتها للتغيير الذى حدث فى مصر والذى أتى برئيس جمهورية "إسلامي" والحنين إلى "فلول" نظام مبارك، ما حدث من قناة العربية وهي غير مصرية، كان له مثيل في الداخل من خلال محاولات اليسار والناصريين إخراج المسألة عن حقيقتها، كأزمة قانونية تحتاج إلى تعديل، إلى تصفية خصومة سياسية صريحة مع الرئيس محمد مرسي، فتحدث كثيرون عن أن هذه بداية لا تبشر بالخير من الرئيس مرسي، وطالب بعضهم الرئيس بالتدخل العاجل في هذه القضية، وبعضهم راح يهاجم القضاء ويطالب بتطهير القضاء، وهي كلها متناقضات سياسية تختلف جذريًا عن مطالب نفس تلك الأصوات قبل أسابيع قليلة، والتي هاجمت الرئيس بدعوى أنه يتدخل في شؤون القضاء ولا يحترم قرارات القضاء وأحكام القضاء، عندما كان الأمر يستهويهم وقتها في موقف المحكمة الدستورية، فلما كان الأمر على غير هواهم الآن طالبوا الرئيس بالتدخل في شؤون القضاء وتجاهلوا استقلالية القضاء، ولما قام الرئيس مرسي بإصدار قرار رئاسي بقانون بموجب صلاحياته التشريعة الجديدة يلغي الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، رحب كثيرون ممن اعترضوا سابقاً على وجود السلطة التشريعية بشكل مؤقت مع الرئيس، غير أن المدهش أن آخرين من متطرفي التيار الناصري غضبوا من قرار الرئس ووصفوه بأنه متاجرة بقضية حرية الرأي والتعبير ومحاولة لتحقيق كسب سياسي مجاني، أي أنه ضده إذا استجاب لمطالبهم وضده إذا تجاهل مطالبهم، والحقيقة أن المنظومة القانونية المتعلقة بقضايا النشر والصحافة والإعلام تحتاج إلى إعادة نظر وإلى تعديل تشريعي شامل يتوافق مع الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي الجديد الذي فرض نفسه في مصر بعد ثورة يناير، وبما يحمي حق الشعب في المعرفة وحق قواه المدنية والدينية والحقوقية والسياسية في الرأي والنقد والتعبير، لست مع هؤلاء الذين يتحدثون بتبتل زائد عن حرية النشر والتعبير، لأنه لا يوجد في أي بلد في العالم مهما كانت عراقته في الديمقراطية مطلقات في تلك المسألة، وإنما الحرية لها ضوابط ولها سقف، ولها حدود أيضاً، صحيح أننا في حاجة إلى التوسع في تلك الحدود، خاصة في الصحافة، باعتبار أن الأخطاء جزء حتمي من طبيعة عملها بدون قصد أو بحسن نية، ولكن بعض الأخطاء تكون بسوء قصد وسوء نية واضحين وإصرار على الشتم والبذاءة في حملات متوالية، وبعضها يحمل تحريضًا على القتل أو العنف أو الكراهية، وكل هذه جوانب لا يمكن أن تدخل في مظلة الحماية القانونية لحرية النشر أو التعبير، بقي أن أسجل هنا سخريتي التامة من بيان حزب التجمع الذي وصف فيه حبس الصحفيين بأنه عدوان سافر على الحريات العامة وترويع للصحافة وانتكاسة للمسار الديمقراطي، وكلام كبير من هذه النوعية، وموضع السخرية أن رئيس حزب التجمع صاحب هذا الكلام الكبير هو نفسه الذي رفع دعوى قضائية ضدي أنا بسبب نشري سلسلة مقالات تنتقد موقفه السياسي والطائفي، وطلب من القضاء المصري في دعواه بحبس الصحفي جمال سلطان سنتين وتغريمه مائة ألف جنيه، والمحامي الذي كتب له صحيفة الدعوى ولا أحب ذكر اسمه الآن صاحب موقع حقوقي رفيع في نقابة المحامين الآن، وأحد الأصوات العالية التي تندد بحبس الصحفيين في قضايا النشر!!. [email protected]