ربما يكون صحيحًا أن الانطباع الغربى عن الإسلام مستقى من استبطان خبرة الرجل الغربى التاريخية مع "المسيحية السياسية" ولكن جزءًا من هذا الانطباع ربما يكون قد تأثر أيضًا بصورة "الإسلام" التى يقدمها المتطرفون من العلمانيين العرب للغرب. وفى الأصل ليس ثمة فارق بين "الانطباع" عند الأول، و"الصورة" التى يوزعها الثانى على العالم، والسبب ببساطة أن الأخير رغم أنه عربى مسلم لم يعرف الإسلام إلا من خلال تجربة المسيحية مع الدولة فى أوروبا، باعتبارهما تجربتين متطابقتين، وذلك إما عن جهل وإما عن قصد، لموقف مسبق من الإسلام كدين وليس كحضارة! وليس ثمة تأثير لهذه "الصورة" العربية عن الإسلام، على الموقف الغربى منه، إلا من قبيل تأكيد الصورة وتثبيتها فى الضمير العام الغربي، من قبيل "وشهد شاهد من أهلها" والحال أن كثيرًا من المواقف الغربية من الإسلام، ربما تكون قد بدأت من بين ظهرانى الأمة وليس فى باريس أو لندن أو واشنطن وبرلين، والحقيقة أن مصطلح "الإرهاب الأصولي" أو "الإسلامي" كان منتجًا علمانيًا عربيًا بامتياز، قبل تسويقه عالميًا بعد أحداث سبتمبر الدامي، بل إن بعض القادة العرب، شاركوا بلا وعى فى لصق سبة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، حينما كانوا يستجدون العالم فى تنظيم مؤتمرات لمواجهة "الإرهاب"، وذلك فى ذروة المواجهات الداخلية المسلحة مع الجماعات الإسلامية الجهادية، بدون التطرق إلى أنماط أخرى من صور "العنف الدينى" البروتستانتى أو الكاثوليكى أو اليهودى المنتشرة فى دول غربية ذاتها، حيث اختفى ذلك عن المشهد وليتصدره فقط "الإرهاب الإسلامى"، وجرى استثمار اللحظة التاريخية تلك فى تبرير نظريات الصراع الحضارى والدينى والثقافى بين الديانتين الكبيرتين فى العالم: المسيحية والإسلام! معهد "انتربرايز" الأمريكى لأبحاث السياسة العامة، قدم قراءة عن حركة الإخوان المسلمين فى مصر، وقدرتها على تأسيس نظام ديمقراطى، والمعلومات التى أوردها نمطية وتقليدية لا تختلف عما نقرأه عن الجماعة فى مصر من خصومها، مثل تأسيس التنظيم الخاص، واغتيال النقراشى عام 1948 ومحاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954، وعلاقتها ب سيد قطب، وجماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، وأخيرًا ما سمى بالعرض العسكرى الذى قدمه طلاب الجماعة فى جامعة الأزهر فى ديسمبر عام 2006! الفارق الوحيد كان ما استدل به كاتب التقرير، لإثبات عدم أهلية الجماعة لأن تكون "بديلاً ديمقراطيًا" ، حيث إنها ترغب بحسب رأيه فى "دمج المسجد فى الدولة"!. هذه الرؤية لا يمكن اعتبارها "رؤية غربية" باستثناء "عبارة دمج المسجد بالدولة" إذ أنه تعبير غربى يستبطن الخبرة المسيحية السياسية فى القرون الوسطى بأوروبا، أما بقية الدراسة فيمكن اعتبارها "نسخة مصرية" لرؤية غربية عن الإخوان من جهة والإسلام من جهة أخرى!. وهذه هى المشكلة.. الغرب لم يعد يعرف الإسلام إلا من خلال ما يكتبه العلمانيون العرب وما يقدمونه من صورة عنه لا تخلو من جهل أو انتهازية أو تصفية حسابات وثارات سياسية وأيديولوجية لا تخفى على أحد. [email protected]