تهاون وخيانة وغباء نظام مبارك البائد سيدفع ثمنه شعب مصر وقياداته أياً كانت لسنوات طويلة قادمة، وليس ما حدث فى سيناء من اعتداء جبان على خير جند الأرض إلا جزء من هذا الثمن الباهظ. فمنذ تحرير سيناء ورفع العلم المصرى على طابا بعد معركة قانونية دولية شرسة أزهق الحق فيها فلول الباطل، و.. «سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد»، أعطى نظام مبارك ظهره لكل الدراسات الجادة التى قدمها علماء أفاضل وطنيون، والتى أجمعت كلها على الخطورة الإستراتيجية لترك سيناء دون تعمير حقيقى، وكثافة سكانية مقبولة، وتنمية على كل المستويات. وتعامل النظام الذى بلغ غباؤه حد الخيانة مع سيناء على أنها مجموعة شواطئ خلابة فى شرم الشيخ ورأس محمد والعريش وطابا، اختص نفسه وأبناءه بمجموعة فيلات أنيقة على أجمل شواطئها وقام بتوزيع باقى أراضيها على الأصدقاء والمنافقين، وأيضًا منجم ذهب لا نعرف أين ذهب إنتاجه طوال سنوات. وترك مبارك سيناء وأهلها «جنة» للموساد يرتع فيها كيفما شاء، ورجاله ونساؤه يدخلون ويخرجون كما يحلو لهم، وأبناء سيناء يعانون الفقر وغياب أهم الخدمات الأساسية كالتعليم والعلاج وفرص العمل، ما جعل أبناءهم تربة خصبة للأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية التى تمارس العنف السياسى تحت ستار الدين. وبعد زوال حكم مبارك - مع استمرار نظامه فى الحكم الفعلى من خلال الشبكة العنكبوتية للدولة العميقة - عادت الأصوات الوطنية للمطالبة مرة أخرى بضرورة الالتفات إلى أرض الفيروز وما يجرى فيها، والإسراع بإقرار خطط متعددة المدى لتطويرها، وزيادة الكثافة البشرية فيها، ولكن الحكومات المتعاقبة كان لديها من الصراعات والمواءمات ما يشغلها فلم تحرك ساكنًا، رغم تصاعد حالات العنف والإرهاب الذى وصل مداه فى الاعتداء على أقسام الشرطة وحرقها، وخروج أصحاب الرايات السوداء كاشفى الوجوه يجوبون شوارع العريش بعرباتهم وأسلحتهم وشعاراتهم وهم موقنون من عدم قدرة الدولة على الرد، لا على قتل ضباطها وعساكرها، ولا على تفجير خط الغاز 15 مرة - حتى بعد تولى الرئيس المنتخب - دون أن يرف لمسئول جفن، ثم كانت الجريمة الشنعاء بالاعتداء الحقير على الجنود - شبه العزل - على الحدود. وللأسف كان لابد أن تقع الواقعة حتى نفيق من غيبوبتنا، ولكن الخوف كل الخوف من رد الفعل الأمنى المبالغ فيه، الذى يعاقب الجميع بلا تفرقة، كى يدفع «كل» أهلنا فى سيناء، ثمن غباء النظام السابق، وتباطؤ النظام الحالى، ووجود «سيناء» فى ذيل قائمة اهتمامات الحكم. لا شك أن القصاص العاجل من القتلة المجرمين مطلوب وفورًا، ولابد من تطهير سيناء من البؤر الإجرامية المليئة باللصوص وقطاع الطرق وتجار ومزارعى المخدرات، والأهم القضاء على بؤر الإرهاب، ومن لا أمل فى إصلاح عقولهم المريضة ونفوسهم الخسيسة، ولا يعرفون لغة سوى القنابل والصواريخ والرصاص، ومعهم مدربوهم وقادتهم ومحركوهم من عناصر «الموساد» وعملائهم. ولكن يجب ألا يتم الأمر بشكل انتقامى عشوائى، ينسف ما بقى من علاقة، ويقطع ما ظل من خيوط بين أهلنا فى سيناء وبين القاهرة، كما يجب ألا تكون الحملة العسكرية التى بدأت بالفعل دك معاقل الإرهاب وحصون الموساد، وبؤر الإجرام، ومزارع البانجو مجرد «تجريدة» تأديب وانتقام يعود الأمر بعدها إلى ما كان عليه من فوضى وتسيب. أما «الأنفاق السرية» - وهو تعبير كوميدى لأنها معروفة للجميع - فيجب إغلاقها وفورًا، مع فتح معبر رفح بشكل رسمى لتمر من خلاله المؤن والمواد الضرورية، وليستمر شريانًا للحياة مع «أهلنا» فى فلسطين، تحت سمع وبصر العالم كله ودون حاجة إلى أنفاق لا نعرف ما أو من يعبرها! ولتنتشر قواتنا فى كل سيناء، وتحفظ أمنها وأمننا، ومن لا يعجبه فليطلب مراجعة اتفاقيات "كامب دافيد" التى يمكن تعديلها كأى اتفاقيات فى العالم حسب تطور الظروف، فأمن مصر وحياة أبنائها فوق كل الاتفاقيات. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected]