عندما تحولت كرة القدم إلى مجال للاستثمار بفعل الصناعة، أصبحت هناك الكثير من الفوارق بين تفاعل الطبقات الاجتماعية المختلفة مع الكرة لسنوات طويلة، عرف المجتمع المصري كرة القدم كلعبة رياضية، يمارسها من يمتلك موهبة ممارستها، ومن يمتلك الوقت الكافي لها، ومن يمتلك دفع تكلفة الفرصة البديلة لممارسة اللعبة بشكل احترافي ، وبالتالي كانت اختبارات الناشئين في مدارس الكرة في الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري، ساحة شديدة التنافس والعدائية، حيث إن الأماكن المتاحة أقل بكثير من أعداد المتقدمين. ولكن بعد عولمة كرة القدم، وبعد النموذج الذي قدمه محمد صلاح وتبعاته على المجتمع المصري، بات احتراف كرة القدم حلما لدى العديد من الشباب، وتدخلت الولاءات الطبقية في صناعة لاعب كرة القدم حتى أضحت هناك أكاديميات لتعليم الكرة لا يتمكن من الالتحاق بها سوى الأغنياء، ومدارس للكرة لا تستقبل سوى فقراء المجتمع الذين يرون أن لديهم القدرة على ممارسة كرة القدم بإبداع. هذه بعض الحقائق والوقائع التى كشفتها دراسة مهمة للغاية صدرت مؤخراً بعنوان " من كأس العالم للموسم المحلي: التحولات الاقتصادية والاجتماعية لكرة القدم " التى أعدها د. زياد عقل الخبير في علم الاجتماع السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإسترتيجية . الدراسة أكدت أن هناك العديد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تصنع مغزى جديد لكرة القدم، سواء في السياق العالمي أو في السياق المحلي . وعلى المستويين المحلي والعالمي، تشير كل الدلائل إلى أن كرة القدم لم تعد لعبة رياضية فقط، ولكنها باتت أداة، وسلعة، ومجالا للاستثمار، ومدخلا للانتقال من طبقة اجتماعية لأخرى. كما باتت أيضًا أحد مؤشرات المجال العام وتفاعلاته في المجتمعات التي تتابع كرة القدم، والتي زاد عددها بعد بطولة كأس العالم حتى ولو بشكل لحظي . وفى هذا السياق نشير إلى أنه من بين الظواهر الملفتة للنظر فى مصر خلال السنوات الاخيرة ظاهرة انشاء أكاديميات الكرة فى معظم المناطق والمحافظات والتى تتفاوت أسعارها من مكان لآخر ، حيث نجد أن بعض الأكاديميات " الفايف ستارز " والتى تتعاون مع بعض الأندية العالمية الكبرى يصل قيمة الإشتراك الشهرى فيها إلى أكثر من 7 آلاف جنيه بينما الأكاديميات العادية فيصل قيمة الإشتراك فيها لأكثر من 500 جنيه شهريا ، أما مدارس الكرة فى الأندية فتكون تقريبا فى حدود 300 جنيها شهريا . وكما نرى فإن هذه المبالغ تعد فوق طاقة وقدرات الغالبية العظمى من المصريين وهو الأمر الذى يجب أن تكون هناك وقفة معه . ولذلك نطرح عدداً من التساؤلات منها : هل هناك رقابة على هذه الأكاديميات ومدارس الكرة سواء فى الأندية الكبرى أو الخاصة ؟ وهل هناك أوراق رسمية تثبت مصادر الدخل الشهرى والسنوى لهذه الأكاديميات ؟ وهل تقوم بدفع مستحقات الضرائب عليها ؟ وهل هى بالفعل تقوم بدور فى الكشف عن الموهوبين وتقديم عناصر جديدة للمنتخبات القومية أم أنها ليست إلا " سبوبة " لأصحابها والقائمين عليها ؟ وأين دور الدولة الرسمى ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة وغيرها من الهئيات والجهات من مثل هذه الأمور المفيدة للمجتمع على كافة المستويات والأصعدة إذا ما أحسن استغلالها ؟!!.