ظاهرة الملاعب الخاصة ما هى إلا فكرة حديثة المهد، بدأت تجد طريقها فى الانتشار على مستوى الجمهورية بصفة عامة ومحافظاتالقاهرة الكبرى بصفة خاصة منذ فترة قريبة وليست بالبعيدة تحديداً عام 2006، أى منذ ست سنوات منصرمة تقريباً، وقد بدأت هذه الفكرة فى الظهور حين شرع نادى وادى دجلة بالمعادى فى تأجير أحد ملاعبه لكرة القدم لعدد من الشباب من غير أعضاء النادى، ثم تبعه فى هذا الشأن بعض الأندية الأخرى، وهو ما لاقى استحساناً وتجاوباً كبيراً من جانب الشباب وأولياء أمورهم - خاصةً فى ظل جنون وارتفاع قيمة عضوية الأندية الرياضية التى تتكلف الآلاف من الجنيهات -، وفى غضون ذلك انتشرت تلك الظاهرة بسرعة كبيرة فى أماكن متفرقة تحديداً فى محافظاتالقاهرة الكبرى خاصةً بمحافظتى القاهرة والجيزة. العامل الرئيسى لهذه الظاهرة هو شروع البعض من الشباب الطموح فى الاتجاه نحو هذا النوع من التفكير- بيزنس الملاعب الخاصة - كنوع جديد من الأعمال التى تٌدر عليهم عائداً مالياً لا بأس به فى أسرع وأقل وقت ممكن، حيث يتم تأجير تلك الملاعب بنظام الساعة وبمبالغ ليست كبيرة من وجهة نظر مستقبلى تلك الخدمة الرياضية. هؤلاء الشباب – أصحاب تلك الفكرة– هم نموذج جيد للشباب الذى فكَر ومازال يفكر بطريقة اقتصادية استثمارية فى ظل انتشار ظاهرة البطالة بين الشباب المصرى، شباب استغل الفرصة لاستثمار تدافع النشء والطلائع والشباب على ممارسة الساحرة المستديرة كرة القدم – مع الاحترام لباقى الألعاب الرياضية – فى ظل اشتراكات عضوية باهظة الثمن للأندية الرياضية، شباب استغل رغبة البعض من أقرانه فى اللجوء للعب كرة القدم فى الشوارع والأزقة والطرقات، وهو ما لا يتناسب مع الكثير منهم بطبيعة الحال، خاصة الشباب العامل أو الذى نال قسطاً كبيراً من التعليم. هذه الملاعب يتم إقامتها على أراضٍ مستأجرة أو مملوكة للشباب، وتتكلف فى المتوسط ما يربو من 300 ألف جنيه تقريباً للملعب الواحد – وهو مبلغ ليس بالقليل للبعض -، فمعظمها يتم تجهيزه على أعلى مستوى من التجهيزات، حيث يتم إضاءة معظمها بطريقة رسمية من خلال الاتفاق مع شركات الكهرباء على توصيل الكهرباء لها بنظام الممارسة، مقابل أن تتقاضى الشركة 3 آلاف جنيه كل 3 شهور أو ما يتم الاتفاق عليه، كما يتم فرش أرضيتها بالترتان أو النجيل الصناعى، فضلاً عن تأمينها من خلال إقامة أسوار من الشباك حولها وبناء بعض الغرف الخارجية للمراقبة وخلع الملابس، وفى بعض الأحيان يتم تزويدها بما يحتاج إليه هؤلاء الشباب - المعاصر - من كافيتريات على أعلى مستوى خدمى ملحقاً بها ألعاب أخرى كتنس الطاولة والبلياردو. هذه الملاعب تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً من جانب الشباب وتحديداً الفئة العمرية المنحصرة بين سن "35:20 سنة" - طوال العام خاصةً أيام العطلة الأسبوعية يومى الجمعة والسبت من كل أسبوع، وكذلك أيام العطلة الصيفية للطلاب وشهر رمضان الكريم، حيث إن الكثير من المدارس والشركات الخاصة والبنوك الاستثمارية تؤجر تلك الملاعب لإقامة دورات رياضية عليها سواء لطلابها أو لموظفيها، كما أن هناك بعض الأكاديميات الرياضية المتخصصة فى نشاط كرة القدم تستخدم تلك الملاعب لتدريب النشء والشباب عليها، هذه الملاعب يتم تأجيرها ما بين "8 : 10" ساعات يوميا فى المتوسط، ويختلف إيجارها وفقا لساعات اليوم، فإيجار الساعات النهارية لا يتجاوز 120 جنيها ولا يمكن أن يقل بأى حال من الأحوال عن 30 جنيها، وقد ترتفع فى بعض الأحيان لتصبح 150 جنيهاً أو 200 جنيه خلال الفترة المسائية والليلية، علماً بأن هذه القيمة تختلف من مكان لآخر وفقاً للدخل الشهرى وللظروف الاجتماعية الخاصة بكل منطقة. ونظراً للإقبال الشديد من الشباب على تلك الملاعب لما توفره لهم من فرص لممارسة نشاط كرة القدم بأسعار مناسبة وزهيدة، وللأرباح العالية التى يٌحققها أصحابها، وعدم وجود أى عوائق حكومية لإنشاء مثل تلك الملاعب الرياضية، الأمر الذى جعل الكثير من أصحاب الأراضى الفضاء سواء كانت أراضى مبان أو زراعية، يشرعون فى إقامة ملاعب رياضية عليها، فالمشروع – إنشاء ملاعب خاصة - استثمارى بالدرجة الأولى، ولكنه ذو بعد ترفيهى ورياضى بطبيعة الحال، ممثلاً فى كونها أماكن مناسبة لقضاء وقت الفراغ لدى الشباب وتنمية مهارتهم الرياضية فى اللعبة التى يعشقونها. ما سبق سرده كان الجانب الإيجابى لهذا المشروع المنبثق من فكر لبعض الشباب المصرى الطموح الذى يٌقَدر الجميع قيمته، إلا أن الجانب السلبى فهو بمثابة القنبلة الموقوتة، الذى ما زالت الحكومة فى غض من البصر عنه، ممثلاً فى إمكانية تحول تلك الملاعب لمواطن عنف وشغب وجريمة نظراً لغياب الرقابة الأهلية والحكومية عليها لأسباب الكل منا يعلمها !! السؤال الذى يطرح نفسه هل هذه الملاعب توفر حلاً جذرياً لزيادة قاعدة الممارسة الرياضية للعبة كرة القدم بصفة خاصة وللرياضات الأخرى بصفة عامة؟ وهل هناك مزيد من التفكير لإنشاء العديد من هذه الملاعب الرياضية لكرة القدم ولغيرها من الألعاب الأخرى؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فهل معظم هذه الملاعب يتم توصيل الكهرباء لها رسمياً فى ظل غياب سلطة الدولة وضعف هيمنتها على كافة الأمور بعد ثورة 25 يناير المجيدة؟ وهل هذه الملاعب خاضعة لقوانين الضرائب العامة أم لا؟ والأهم هل وضع هذه الملاعب قانونى؟ وهل هى مخالفة للنظم واللوائح المعمول بها فى مجال رعاية النشء والشباب والرياضة أم لا؟ ومن أجل السيطرة على هذه الظاهرة لابد من الإيعاز لكل من وزارتى الدولة للشباب والرياضة بالدراسة والبحث المتعمق عن أسباب انتشار تلك الظاهرة، وكذلك الوضع القانونى لتلك الملاعب، وهل هى مخالفة للنظم واللوائح المعمول بها فى مجال رعاية النشء والشباب والرياضة أم لا؟ وإن كانت الإجابة بأنها غير مخالفة فلابد من دراسة وضع لائحة لها بالتنسيق بين كل من الوزارتين "الشباب – الرياضة"، وذلك تمهيداً للسماح بترخيصها وكذلك ترخيص إنشاء ملاعب رياضية أخرى من حيث (الحصول على موافقات رسمية من الجهات المسئولة عن المنظومة الرياضية فى مصر – تحديد المساحة المناسبة للإنشاء- مراعاة عوامل الأمن والسلامة – توافر المرشدين المؤهلين للبرامج الرياضية - تأمين حق الدولة بالنسبة للمرافق العامة كالمياه والكهرباء والاتصالات وغيرها)، هذا فضلاً عن تحديد الشروط الفنية التى يجب توفرها فى هذه الملاعب وفق أسس فنية سليمة يتم التقييد بها عند طلب الحصول على ترخيصها فى المكان المناسب والشروط المطلوبة. كل ذلك يٌساهم فى رفع الحمل الواقع على كاهل الدولة وإتاحة الفرصة للاستثمار فى المجال الرياضى على أساس أن الرياضة أصبحت صناعة، ويهدف إلى تشجيع القطاع الخاص لإنشاء المراكز الرياضية بشكل منظم ومدروس وبإشراف الجهات المسئولة انطلاقاً من الحرص على متابعة هذه المراكز رياضياً وتربوياً وتصحيح أوصافها ووضع ضوابط ومعايير محددة لها. وهنا يجب الإشارة إلى أن ترخيص الملاعب الخاصة، سيٌسهم بدرجة كبيرة فى دعم الحركة الرياضية والرياضيين وتطوير القطاع الرياضى، مبينا أنها ستكون داعمة للمنشآت الرياضية العامة ولن تكون بديلاً عن خطط الدولة بإقامتها، كما أن دراسة الوضع القانونى لتلك الملاعب سيشَكِل قيمة مضافة وإطاراً ناظماً لعمل هذه الملاعب وسيسهم بتشجيع إقامة المنشآت الرياضية التدريبية الخاصة – ليس الملاعب فقط - داخل الكتل العمرانية وخارجها وإمكانية تحويل مناطق إلقاء القمامة بالمناطق العشوائية والأحياء الشعبية إلى مناطق جذب للشباب والمواطنين للترويح عن أنفسهم وممارسة الرياضة كإنشاء ملاعب مفتوحة ومراكز للشباب وحدائق عامة عليها خاصةً بإقليم القاهرة الكبرى الذى يضم ثلث السكان فى مصر ويضم أغلب المناطق العشوائية على مستوى الجمهورية، ولابد من أن يكون هناك تعاون وثيق بين كل الجهات المسئولة عن المنظومة الرياضية فى مصر لإنجاح هذا المشروع الحضارى الذى يتيح ممارسة الرياضة للجميع، وإلا فإن الأمر يٌحتم مضاعفة وتكثيف الجهود وتوجيهها لإصلاح شأن ووضع مراكز الشباب المنتشرة على مستوى الجمهورية والتى بات الشباب بعيداُ عنها خلال الفترة السابقة لأسباب الجميع يعلمها، ضرورة النظر فى تمكين الشباب من تلك المراكز وكذلك النظر فى قيمة اشتراكات العضوية وغيرها من الأمور.