الكليبتوقراطية هى(ضرة)الديمقراطية..والضرة فى الحياة الاجتماعية كما نعرف جميعا هى احدى زوجتى الزوج وعادة ما يكونا فى خصومة لدودة ,حتى اذا كان المجتمع والدنيا قد قبلا بهذا التعايش المتخاصم..لكن الديمقراطية التى تعنى(حكم الشعب)لنفسه من خلال الانتخابات والبرلمانات والتعددية والمحاسبة والشفافية والتى تأخذك الى حيث نظافة اليد والضمير ..هى بذلك خصم لا يمكن له التعايش مع الكليبتوقراطية فهى عكس كل ذلك هى تعنى حكم اللصوص..حكم الحرامية ..(كليبتو)يعنى باليونانية(لص)أوحرامى و(قراط)يعنى حكم..ارستقراطية /ثيوقراطية /تكنوقراطية/اوتوقراطية ..وهكذا. يصف المتخصصون(الكليبتوقراطية) بانها النمط الذي تتجمع فيه الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة الذين يكونون طائفة(الكربتوقراط)وذلك على حساب الوطن كله والشعب كله. وعادة ما يكون نظام الحكم السياسى في تلك الحكومات ديكتاتوريا استبداديا إلا ان هناك _ وللأمانة_ كليبتوقراطية في بعض النظم الديمقراطية التي تحكمها اقليه نافذة. وهى فى كل الأحوال _كما تقول الموسوعات السياسية_ تعبيرا خالصا عن نظام حكم جوهره الفساد واللصوصية ونهب الثروات العامة..كما كان نظام مبارك وأنجاله وأصدقاؤه خاصة فى السنوات الأخيرة من حكمه. والكليبتوقراطية ستكون لديها (قواعدها الصلبة)التى تحافظ بها على وجودها واستمرارها وتأمين خططها ومخططاتها وجرائمها وتمتلك القدرة التامة على الاحتفاظ برجالها في مناصبهم المؤثرة وتعزيز قدراتهم وقوتهم وتمكنهم من القبض على مصير الناس والتحكم بثروات البلاد..أحد أهم أدوات هذه الطبقة فى السيطرة والتحكم والمزيد من السيطرة والتحكم هو إحداث الشقاق والفرقة والصراعات الداخلية فى المجتمعات ويقول الباحثون انه يمكن التعرف بسهولة على الأنظمة الكليبتوقراطية من الواقع الاجتماعى والسياسى الذي تصنعه حولها.. فإذا أخذت فى تأجيج وإحداث الصراعات الدامية بين أبناء المجتمع.. فهذا يعني أنها تدعو لذلك لكي تحافظ على سرقاتها وتعظيم مكاسبها وإن هي أخذت وعملت على دعم وحدة الجماعة الوطنية وتماسك الصف الوطني فإنها تكون بعيده كل البعد عن ان تكون (كليبتو). يقولون أيضا ان بعض الأنظمة الكليبتوقراطية يكون الفساد فيها متصل بقمة الهرم الحاكم..فساد الرؤساء والحكام وذلك باستغلال سلطاتهم لتحقيق مكاسب وصفقات وعمولات وبشكل مباشر وعينى عينك..البعض الأخرليس بهذه الدرجة فى(العلالى)بل يكون الفساد متصل بالحالة السياسية والاجتماعية كلها(مؤيدة ومعارضة)ومتواصلة مع شبكات فساد بالغة التنظيم والترابط وليست جزء من السلطة الحاكمة... لى كوان يو(1923-2015)مؤسس سنغافورة الحديثة يقول بيقين العارفين ان الفساد يبدأ من(فوق)ثم لا يلبث ان يصبح وباء عاما في المجتمع..وهو يقول أيضا ان تنظيف الفساد يشابه تنظيف(السلالم)يبدأ من فوق نزولا للأسفل ويروى فى كتابة الجميل (قصة سنغافورة من العالم الثالث إلى العالم الأول) أنه بعد أداء اليمين عام 1959 أصر على أن يرتدي هو وفريقه الحكومي قمصانا خفيفة وسراويل بيضاء(في إشارة رمزية إلى النقاء والطهارة والأمانة)في سلوكهم الشخصي وحياتهم العامة ..تماما كالتى كان يرتديها رجال النظام السياسى عندنا فى الستينيات لكن البنطلونات أو السراويل لم تكن بيضاء ويبدو ان هذا هو الفارق الجوهرى الذى جعل سنغافورة تصبح الأن إحدى أغنى دول العالم (ناتجها القومي يقارب 350 مليار دولار). حين جاء مهاتير محمد (92 عاما) بالانتخاب لرئاسة الحكومة بعد الابتعاد الطوعى 15 عاما عن السلطة والسياسة وجد ان الفساد فى بلاده التى تركها فى عداد النمور السبعة أصبح من الفئة الأولى(كليبتوقراطيا) أي ان الفساد كان فى أعلى الرأس ممثلا فى رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق رأس السلطة التنفيذية في النظام السياسي البرلماني وبدأ فورا فى إعلان الحرب على الفساد من (رأس السمكة)كما كان يقول هو دائما وكما قال نظيره السنغافورى .. خلال 10 أيام بعد أدائه اليمين الدستوري بدأ بأكثر الملفات فسادا(الصندوق السيادي الماليزي) ووجد ان المنهوب منه أكثر من ما يقرب من 5 مليار دولار. وبدأ فى التحقيق مع رئيس الوزراء السابق وزوجته وأقاربهم بتهم الفساد والتربح وأعاد لخزينة الدولة 5 مليار دولار..شبكة الفساد الشبيكة المشبوكة اشباكا شبوكا كان بها 9 وزراء و144 رجل أعمال و 50 قاضي و 200 شرطي. الفساد كان كليبتوقراطيا بامتياز فحيثما كان هذا فسيكون وراءه القمع واعتقال كل من ينتقد رئيس الوزراء وأسرته والمقربين منه. وتهديد وترويع وسائل الإعلام التي تنشر تقاريرعن ذلك الفساد..وتم حفظ وإغلاق التحقيقات في فضائح الفساد التى كانت تتوسع وتتغول وكان طبيعيا ان يصاحب ذلك اضطرابا سياسيا وتراجعا اجتماعيا واقتصاديا فاستنزفت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي..ويقدر نقص الاحتياطي النقدي بأكثر من 40 مليار دولار(خلال الفترة من 2012 – 2015 انخفضت قيمة العملة المحلية بنحو 33 %) . (متلازمات الفساد: الثروة والسلطة والديمقراطية )هذا هو عنوان أهم وأروع كتاب تناول ظاهرة الفساد والذى استمد قوته وعمقه من ان مؤلفة أستاذ سياسة ويرأس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة كولجيت بنيويورك إنه (د/مايكل جونستون) الكتاب ترجمه إلى العربية د/ نايف الياسين الأكاديمي السورى ونشرته دار النشر السعودية الشهيرة(العبيكان) وهى أيضا التى نشرت كتاب قصة سنغافورة للى كوان يو. يعتبر الرجل ان أكبر تهديد للديمقراطية الحقيقية والتنمية الاقتصادية والنهوض هو(الفساد) وهو هنا يركز على سبب جوهري فى هذه الكارثة وهو مدى قوة أو ضعف الدولة والمؤسسات السياسية والاجتماعية بها. جونستون يقول ان هناك أربع متلازمات للفساد:أسواق النفوذ/ومنظمات النخبة /وحكم العائلات /والمسؤولون الحكوميون..دخل مايكل جنستون في أعمق أعماق الفكر الفاسد واستطاع بجداره تفكيك(دائرة الفساد)وكيف تطورت وكيف أصبحت..ويعتبر هذا الكتاب مرجع حقيقي لكل سياسى مخلص لكي يفهم قواعد ومنظومة الفساد. الكتاب لا يحتاج منك ان تكون متخصصا في علوم الاقتصاد والسياسة.. فالكل يستطيع فهمه ببساطة..فمثلا يشرح تعبير(أسواق النفوذ) بعبارة واقعية ومحددة فيقول:يدور الفساد في أسواق النفوذ حول استعمال الثروة لتحقيق النفوذ داخل المؤسسات السياسية وهوهنا كان يتكلم عن دور(الشركات الكبرى والعملاقة)في تغيير القرارات السياسية لصالح مجموعات متنفذة ويقول أيضا أن التفكير في الفساد كمشكلة تنفيذ قوانين يمثل فكرا ضيقا بل ينبغي التفكير أولا وثانيا وثالثا في بناء(المؤسسات)كعملية متكاملة من القاعدة حتى القمة...أكثر من أي وقت مضى يتحتم وجود الحاجة إلى(مؤسسات)قوية وقادرة على النهوض بأعبائها بكل ما يحمله ذلك المعنى من حمولة ثقيلة. وبناء تلك المؤسسات_فى رأيه_ ليست عملية بسيطة وستواجه مقاومة عنيفة. يتحدث أيضا عن فساد المسؤولين الحكوميين في قدراتهم غير المقيدة على استخدام(السلطة)فلديهم عملاء شخصيون فى كل مكان(أقارب ورجال أعمال)هذا النوع من الفساد يكون غالبا واسع النطاق والانتشار ومنفلتا من كل نطاق وأبرز وأخطرما يميز فساد المسؤولين الحكوميين هو الهروب من العقاب..كما ان غياب الجهاز القضائي المستقل يسهم في تسييس النظام القانوني..ستكون الاعتبارات السلطوية دائما فوق التشريعات وتحت أمرها وسيتم استعمال القوانين كأدوات للانضباط السياسي وليست كقواعد عامة تضبط حركة وعلاقات المجتمع ..وبالتأكيد أيضا ليست كقيود على السلطات الحكومية غير المحدودة. ويشير هنا إشارة مهمة إلى انه يمكن للسياسة أن تكون جزء مهما من الإصلاح وخاصة اذا ما نظرنا إليها ليس فقط من منظور الانتخابات بل من حيث أنها علاقات مشاركة وعلاقات تنافس بين الفئات الاجتماعية. يقول : يجب أن ينطوي الإصلاح ومحاربة الفساد على عملية ديمقراطية عميقة ولا أقصد بهذا مجرد إجراء انتخابات تنافسية أو وضع خطط لتطبيق الشفافية على الرغم من كونها ذات أهمية بل أقصد تمكين المواطنين من مواصلة الدفاع عن قيمهم ومصالحهم بكل حرية..بناء مجتمع مدني قوي وفاعل سوف يجعل(السياسة) قوة تحمل أجندات فاعلة لمحاربة الفساد والدعوة للحكم الرشيد..أيضا المستوى التعليمي الجيد وقوة الطبقة الوسطى والقضاء المستقل استقلالا تاما وسيادة القانون وبتعبيره(قوة المهنة القانونية)ونبذ العصبيات وتحقيق التضامن الاجتماعى الواسع كلها عناصر تشكل دواء بالغ الأهمية لأسوأ داء فى تاريخ البشرية.. إنه الداء العياء كما يقولون..(داء الفساد).