وراء كل شجرة ثمرة ، وخلف كل آية حكمة ، ومع كل خطوة دعوة ، والمؤمن يسير إلى الله بصدق الإيمان وكمال الإحسان وعين الرحمن . وما أرسلت الرسل ولا أنزلت الكتب ، ولا فرضت الفرائض ، ولاخلق الكون إلا للعبادة والذكر كيف ؟! "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات والحج يربطنا بالقدوة الحسنة والاسوة الطيبة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: " خذوا عني مناسككم " فالمسلم الذي راح يسأل ويتحرى أن يكون حجة وفق الهدي النبوي الكريم، فيختار الحصى بدقة ، ويتحرى الهدي كذلك بدقة ، يرجو ألاّ يحيد عن هدي نبيه ولا يرجع عن أوامر دينه ، ينبغي له كذلك أن يتأسّى به في حياته كلها، وصدق الله " قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام بطل الحج هو إبراهيم عليه السلام وكان دائم التفكر في ملكوت الله متجها إلي التوحيد الخالص وداعيا الى الاخلاص في ابهي صوره .. " فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين " الأنعام وهو الذي وضع قواعد البيت مع ولده إسماعيل عليهما السلام پامر من الله لبناء أول بيت وضع للناس في الأرض " أن اول بيت وضع للناس الذي يبدو مباركا وهدى للعالمين " ال عمران لذلك عندما يطأ الحاج أقدامه على أرض مكة يتجه بكل مشاعره وفكره إلى الكعبة متذكرا الذي وضع لبناتها الأولى (إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ) والذي دعا إلى أداء المناسك ( محمد عليه الصلاة والسلام ) ، متفكرا في بيت الله الحرام وصاحبه ( الله جل جلاله ) " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " تفكر في الكعبة وتقدير النعمة وشكر المنعم وذكره تعالى . عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا قال فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك أبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي قال ما لك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي . لقد انقضى موسم من أشرف مواسم الإسلام، ومرّت الأيام المعلومات ثم الأيام المعدودات، وكانت تلك الأيام محملة بالخيرات والمسرات والفضائل والبركات، ذهب الحجيج وعاشوا رحلة الحج الأكبر، وتنقلهم بين المشاعر، وتعرضوا لنفحات؛ طمعاً في رضا رب الأرض والسماوات، عادُوا بعدها فرحين آتاهم الله من فضله مستبشرين بما من عليهم من توفيقه وحج بيته فهنيئا لهم حجهم وذكرهم وشكرهم وعباداتهم وجهادهم . وفي غير مكة لغير الحجيج بشائر - كذلك - لم تنقطع، وخيرات لم تنضب ، عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا عند الله، صيام يوم عرفة الذي يكفر صيامه سنتين، حتى صار كأنه من أيام رمضان، لكثرة صائميه حتى من الصغار، ومر بهم يوم النحر فصلوا وضحوا، من كثرتها كادت الطرقات تسيل بدماء القربة لله، وامتلأت مصليات الأعياد، ثم توالت عليهم أيام التشريق فأكلوا وشربوا وذكروا الله، وأدوا شكره على ما رزقهم ، من حقهم أن يفرحوا بذلك كله " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " يونس وهكذا تنقضي مواسم الخير، بل هكذا تنتهي حياة الإنسان سريعة خاطفة ثم يجني ما أودعه فيها، فطوبى لمن قدم لنفسه قبل يوم الحساب " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " إنها آية عظيمة تضع المسلم أمام حقيقة ربما غفل عنها في خضم الحياة، وهي أن حياة الإنسان كلها، بل ومماته يجب أن يكونا وفق نهجه وهديه كما هو شأن صلاته وعبادته المحضة، يقتفي في ذلك كله أثر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فلا يستعير منهجاً لماله من جهة، ومنهجاً لأسرته من جهة ثانية، ومنهجاً لفكره من جهة ثالثة، ولا يدع لله إلا ركعات ربما لا يدري ماذا قال فيها، وصياماً فقد حقيقته، وحجاً جهل أسراره، فعاشه بجسده ولم يعشه بقلبه، فإن "لا إله إلا الله" منهج متكامل للحياة . بعد الحج يوصي ربنا بالذكر " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا " البقرة لا تفاخر ولا تشاحن ، للألقاب ولا لحساب ، إنما الفضل بالتقوى والعمل الصالح . وذكر الله مغفرة للذنوب " والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة واجراً عظيماً" الأحزاب وشفاء ورحمة للمؤمنين: " وننزل من القران ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين" الإسراء وسبب لرفع البلاء :" فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " الصافات و جلب الخيرات :" فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" نوح وتفريج الكرب " وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين" الأنبياء ما اجمل ذكر الله بعد حج بيته ، وما احلى الاستقامة بعد الطاعة ، وما افضل السير في طريق الزهد والقناعة ، سئل الحسن البصري ما أفضل الحج قال : من يأتي من حجه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة . اللهم ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا . اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين منيبين مخبتين يارب العالمين . خميس النقيب [email protected]