قتلوهم وهم يفطرون! ما المبرر؟ سيقال: مجموعة تكفيرية تتعاطى "الجهاد" بمفهوم خاطئ أرادت أن تنفذ عملية ضد الكيان الصهيونى؛ فاختارت له ذكرى معركة بدر لتنفذ عمليتها، وهى أرادت أن تحصل على مدرعتين للعبور بهما إلى داخل حدود فلسطين لتنفيذ عملية ضد الصهاينة؛ فقتلت فى طريقها جنوداً مصريين! وهذا فى حقيقته تسطيح شديد لما حصل على الحدود المصرية مع أرض فلسطين التى تحتلها "إسرائيل"؛ فأيا ما كان المنفذون، أكانوا "كوماندوز إسرائيلى" متمكنا عبر الحدود لتنفيذ تلك العملية أو استخدم مجموعات منحرفة فكريا عبر وسطاء فلسطينيين عملاء لتل أبيب؛ فإن المحصلة فى كل واحدة؛ إذ لن نبحث عن البندقية المستأجرة وإنما عمن استخدمها على وجه التحديد. لكن دعونا أولا نجول فى محيط العملية، لنستكشف مناخها الذى وقعت فيه؛ فالعملية التى أسفرت عن مذبحة لضباط وجنود مصريين تمت بعد أيام قلائل من الإعلان عن عزم السلطات المصرية التخفيف من إجراءات دخول الفلسطينيين، وإثر زيارة وفد من حركة حماس لمصر ولقائهم رئيسها فى القصر الجمهورى، وتحسين إجراءات التعامل على معبر رفح، وتنادى أصوات قريبة من الملياردير المصرى نجيب ساويرس بالدعوة إلى مقاومة شراء الفلسطينيين المزعوم لأراضى بسيناء وما يدعى عن مخططات لتوطين الغزاويين بسيناء، وهو الملياردير الذى طالبه النائب العام الفلسطينى فى رام الله أحمد المغنى باسم السلطة الفلسطينية قبل أيام بتجميد التداول فى الأسهم التى تعود لمحمد رشيد، مستشار الرئيس الراحل، ياسر عرفات، وكذلك محمد دحلان القيادى الفتحاوى المفصول المتهم بعلاقته بالموساد "الإسرائيلى"، وبتمويله لبعض الجماعات التكفيرية المناوئة لحماس فى غزة. والعملية تأتى فى ظل ما يقال عن تحسن العلاقات بين المؤسستين الرئاسية والعسكرية فى مصر على إثر الاتفاق الذى أدى إلى تشكيل الحكومة المصرية بتركيبتها الحالية، والإشادة المستمرة من الرئيس المنتخب بالمؤسسة العسكرية التى قال أمس فى الإفطار الذى دعته إليه قيادة الجيش الثانى الميدانى إنها سبب فى كونه أصبح رئيساً لمصر. وتم تنفيذها قبل أسبوعين من تنفيذ مخطط لاضطرابات ومظاهرات بغرض إسقاط الرئيس وحركة الإخوان، وبالتزامن مع اعتداءات على مقارات للجماعة ولحزبها السياسى فى أكثر من مكان. ومن جهة أخرى؛ فإن الجريمة قد وقعت على إثر مساعٍ لتنشيط السياحة المصرية قام بها الرئيس المصرى ووزير السياحة فى حكومته، وعقب احتجاز فوجين فى مطار مرسى علم، والأهم أنها تلت تحذيراً "إسرائيليا" من أكثر من جهة بشأن أمن "الإسرائيليين" فى شبه جزيرة سيناء ودعوات إليهم بمغادرتها فوراً لاحتمال وقوع "عمليات إرهابية". أما الأخطر فهو ما يتعلق بمطالب تتصاعد فى "إسرائيل" بتعديل اتفاقية كامب ديفيد بحيث تبسط بها "إسرائيل" هيمنتها على سيناء بشكل مباشر. هذا المناخ، أما العملية ذاتها فيلاحظ فيها ما يلى: أولاً: سرعة رد الفعل الصهيونى، وهو يعنى أحد أمرين: إما أن الكيان الصهيونى لديه علم بهذه العملية قبل وقوعها، أى أنها حصلت بإيعاز منه، أو أن جهوزيته عالية جداً للحد الذى جعل رد فعله أسرع بكثير من رد الفعل المصرى، وهذا يضعنا أمام استحقاق أخطر.. أننا أمام ثغرة حقيقية يمكن أن ينفذ منها العدو فى أى لحظة. ثانياً: ما يحيط بالجريمة من ملابسات تتعلق بإفطار رمضان (لا يحبذ هذا التوقيت عادة إلا أحد النظامين الصهيونيين فى تل أبيب ودمشق، أو من يواليهما)، وما يتعلق بحرفية الفاعلين، وجهوزية الإعلام الصهيونى والساسة للادعاء فوراً أن ثمة متسللين يعنى أن لدى "إسرائيل" ما تعرفه أكثر مما يبدو لأول وهلة. ثالثاً: سرعة رد الفعل الإعلامى المتصهين فى مصر، وجهوزيته العالية أيضاً لتحميل أطراف مصرية مسئولية ما حصل، لا أعنى بهم قفاز المجرم، وإنما المجرم ذاته، وهو هناك قابع فى تل أبيب يضحك على فداحة الخسائر فى الجانب المصرى وخلو جانبه منها تماماً. رابعاً: سرعة رد الفعل الرسمى بإغلاق معبر رفح الحدودى، وهو وإن كان إجراءً أمنياً احترازياً لفترة من الوقت؛ فإن أخوف ما يخشى أن يستغل للإساءة للشعب الفلسطينى وللتضييق عليه فى تلك الأيام المباركة، وقبل أيام من عيد الفطر. نحن إذن أمام عملية خطيرة، ينجم عنها ما يلى: 1 الإشعار بأن مصر دولة فاشلة لا يمكنها السيطرة على حدودها بما يستدعى فكرة "مشاركة إسرائيل" وغيرها فى تأمين تلك الحدود. 2 تسهيل مهاجمة الرئيس المنتخب و"الإسلاميين" عموماً تحت ذريعة التساهل مع حركة حماس بما أفضى إلى وقوع جريمة كهذه. 3 إحباط محاولة "تطبيع" العلاقة مع غزة، والإبقاء على حصارها إجبارياً، وتسميم العلاقة كلية مع الفلسطينيين بعد حصول انفراجة، بل ومعاقبة الفلسطينيين على احتفالهم بخلع مبارك. وبدلاً من التفكير فى حل حقيقى للمشكلة؛ فإن البعض يستهويه منا أن يفكر بعكس الاتجاه وبطريقة سطحية؛ فمن الطبيعى أن يتجه التفكير ابتداءً إلى بسط الأمن على ربوع سيناء وملاحقة كل المظاهر المسلحة لاسيما التكفيرية منها، وكذلك من البديهى أن تغلق المعابر لفترة احترازياً، لكن المنطقى أن أى بلد لا يشعر بأن حدوده آمنة لا يعتبر أن الحل الجذرى لتأمينها هو بإغلاق الحدود والمعابر! لأن حدود الدول ليست محالاً تجارية ليجرى تأمينها عند الخطر بالإغلاق، وإنما تأمينها بمضاعفة أعداد الجنود، وزيادة تسليحها وتدريبها، وتوفير الآليات الملائمة والمناسبة لإنجاز هذا التأمين. الأسهل أن تغلق معبراً حدودياً، لكن غلق المعابر عبر التاريخ لم يمنع غزواً، ولم يكبح طامعاً، إنما علينا أن نتجه مباشرة إلى الحل الحقيقى الصعب الذى يدركه الجميع ولا يقدمون عليه. إن أبجديات تأمين سيناء هو توطين ملايين المصريين فيها، ومضاعفة تعداد قواتها الحامية لدرع مصر الشرقى، وهذا لن يكون إلا بإعادة النظر فى بنود اتفاقية كامب ديفيد الظالمة والمقيدة. ستسعى "إسرائيل" يوماً ما إلى توطين صهيونى فيها إن ظلت فارغة، وفى أفضل الأحوال ستطرد الفلسطينيين إليها، وسنبكى حينها على جزء غالٍ من وطنٍ أضعناه. ربما ستتملك بعضنا الجرأة لنقد التأمين الحدودى المصرى عسكرياً، لكن فى الحقيقة، جيشنا محكوم باتفاقية سياسية أبرم فى لحظة تجاوز فيها القرار السياسى كل المحظورات ووقع عليها على نحوها الظالم هذا، وصارت بنودها سيفاً مسلطاً على المصريين، عسكرييهم ومدنييهم، وآن الأوان أن نعيد الوضع إلى طبيعته، أن تكون حدودنا آمنة فى كل رقعة. نعم، إننا نثق كل الثقة فى قواتنا المسلحة وقدرتها على حماية مصر، ولذا نحن نطالب بأن تطلق يدها على حدودنا كلها دون استثناء حتى لا تحدث اختراقات كهذه. أما التفات الجوقة الإعلامية إلى مسألة المعابر؛ فهى حيلة الضعفاء والانهزاميين؛ فلا استقلال لمصر دون سيادة على أراضيها، وأولى تلك الأراضى هى سيناء المباركة.