أسوأ ما يمكن للسياسى أن يتاجر فيه هو "الطائفية"، وأحط ما يمكن للسياسى أن يلعب عليه هو التناقضات الطائفية، ولذلك شعرت بالغثيان أمس وأول أمس وأنا أستمع أو أقرأ تصريحات لعدد من السياسيين المصريين، وجميعهم صدفة من معارضى الرئيس محمد مرسى، وخصوم الإخوان والتيار الإسلامى، وهم يرغون ويزيدون فى حديثهم عن "مأساة الأقباط" فى دهشور، و"التهجير القسرى" للأسر القبطية فى دهشور، وكلام طويل عريض "هايف" من تلك الشاكلة، تشعر معه أنك تتحدث عن مذابح البوسنة والهرسك أو مأساة المسلمين فى بورما وحرق الآلاف أحياء، وكل هذا الكلام محاولة للاصطياد فى الماء العكر وصناعة قنبلة "بدائية" لوضعها فى طريق الرئيس الجديد والحكومة الجديدة، وأحداث دهشور نمطية ومتكررة بين جيران مسلمين وأقباط أو مع مسلمين فى بعضهم، حادث اجتماعى يمكن أن تسمع مثله مئات المرات فى صعيد مصر وبعض المناطق الشعبية، عندما تقع حادثة قتل فإن الأسرة أو الأسر المتهمة بالجريمة تأخذ نساءها وأطفالها وتغادر المكان أيامًا أو شهورًا حتى تهدأ النفوس وتتدخل الوساطات ويعود العقل، لأنه فى لحظات الغضب لا تضمن حكمة وعقلانية جميع الناس وردود الأفعال العاطفية، فبدلا من أن تتحول الأمور إلى مقتلة عظيمة يذهب ضحيتها عشرات أو مئات من النساء والأطفال والرجال، لن يجدى معها نفعا أن تأتى الشرطة والدولة بعد ذلك لتعاقب المتورطين، لأن أى عقاب لن يعيد من مات ولن يشفى صدر من قتل عزيز لديه، رد فعل الهجرة المؤقتة من المكان سلوك عادى جدًا ومتكرر، وليس مرتبطا بالأقباط أساسًا، وإن كان وجود الخلاف الدينى بين طرفى الحادثة يضفى على حادث القتل المزيد من الحساسية، التى تستدعى حماية وقتية عاجلة لأطراف الصراع، والبديل لذلك الحل العفوى أن تظل قرية تحت حصار المدرعات والأسلحة الآلية وآلاف الجنود والضباط عدة شهور من أجل حماية بعض الأسر، التى يتهددها غضب الأهالى فهذا يشبه العقاب الجماعى للمواطنين ووقف حالهم وهو مشهد يؤجج المشاعر ويعمق الكراهية ولا يحل الإشكال، فالحاصل أن سلوك الهجرة الاختيارية المؤقتة من المكان حل اجتماعى عادى جدًا، وهو يتم باختيار وإرادة أصحابه وليس قسريا، لأنهم يعرفون أنه السلوك الاعتيادى بين الأهالى عندما يكون هناك "دم"، فهم ليسوا خواجات، ولا يعرفون لغة الخواجات الذين يتصنعون الغضب فى استديوهات فضائيات الفتنة، ودائما ما تعود تلك الأسر بعد أيام أو أشهر بعد أن تكون النفوس قد هدأت، ربما باستثناء أسرة القاتل كنوع من الوقاية لها من غضب أهل القتيل، والحقيقة أن واقعة دهشور تكررت بدرجة أقل العام الماضى وعن طريق نفس هذا الشخص "المكوجى" المسيحى، الذى ارتكب حماقة أوشكت أن توقع فتنة كبيرة وحريقا أكبر، ثم عاد هو نفسه من جديد هذا العام ليرتكب جريمة قتل أشعلت الحريق هذه المرة، وأهالى دهشور يعرفونه ويعرفون تطرفه وعصبيته وعدوانيته فى التعامل مع المسلمين، ومن الواضح أنه "مشحون" من لغة التحريض التى تروجها فضائيات تحاول أن تشحن بها نفوس بعض الأقباط، وكذلك بعض النشطاء الأقباط والمتأقبطين من التيار الليبرالى وعملاء المباحث السابقين المعروفين، الذين يروجون بصفة مستمرة فى الفضائيات لخرافة اضطهاد الأقباط، ومن الطبيعى أنك عندما تظل "تزن" على أذن أحد بأنه مضطهد وأنه مظلوم وأنه مغبون وأنه ضائع الحقوق، وأنه مستغفل، فإنه يتحول إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، وبالتالى فالذين يشحنون الفضائيات بتلك الأحاديث الانتهازية الرخيصة هم شركاء فى صناعة العنف الطائفى وهم شركاء فى جرائم القتل ذاتها التى تقع من هنا أو هناك، هم من يشعلون الحرائق ثم يتصنعون الاهتمام بالمشاركة فى إطفائها، وأتمنى من العقلاء وأصحاب الحكمة بين الأقباط التصدى لتلك الأصوات الانتهازية، فهم يتاجرون بالطائفية، ويفخخون الوطن لكى يتاجروا بالجثث التى تنتج عن الفتن التى أشعلوها بتحريضهم وتمثيلياتهم المفضوحة، فالحكاية صراع سياسى على النفوذ وكعكة السلطة لا يمثل الأقباط فيه سوى وقود التشغيل. [email protected]