منذ عزل جماعة "الإخوان المسلمين" من الحكم في صيف يوليو 2013 والحديث عن المصالحة الوطنية لا ينتهي، فلا يلبث أن يختفي، ثم يعود للطفو مجددًا، على الرغم من النفي الدائم لذلك، سواء من جانب السلطة، أو جماعة "الإخوان المسلمين". الرئيس عبدالفتاح السيسي أكد مرارًا أن "المصالحة الوطنية في يد الشعب"، وهو ما أعاد التأكيد عليه اليوم خلال حضوره مؤتمر الشباب بجامعة القاهرة في رده على سؤال بشأن المصالحة، قائلاً: "نجابه الإرهاب بلا هوادة، لا بنعمل اتصالات ولا مصالحات، واللى ها يعمل مصالحة انتوا"، موجها حديث للشعب المصري. وتباينت وجهات النظر إزاء تصريح السيسي، فهناك من اعتبره مؤشرًا على احتمالية فتح المصالحة، بينما رأى آخرون أنه بذلك يعبر عن الرفض القاطع للتصالح مع جماعة "الإخوان"، التي تصنفها الحكومة كجماعة إرهابية" وقال الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس أمناء مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية، إن "تأكيد الرئيس على أن الشعب المصري هو صاحب قرار المصالحة مع الإخوان، كان متوقعًا، ويدل على إعادة نظر الرئيس في الملف من جديد". وأضاف ل"المصريون": "إعادة الرئيس النظر في ملف المصالحة بين جميع طوائف المجتمع وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، كان متوقعًا بعد إعادة انتخابه كرئيس لفترة رئاسية ثانية". وأوضح أن "السيسي وكّل الشعب للنظر في أمر المصالحة، حتى يعفى نفسه من المسئولية، وحتى يتفادى أية انتقادات من جانب مؤيديه، برغبته أن تكون المصالحة بإرادة المجتمع المصري نفسه"، لافتًا إلى أن "الوضع السياسي في مصر بحاجة ملحة إلى إنجاح المصالحة". وأشار إلى أن "فئة كبيرة من المجتمع المصري سترحب بالمصالحة، للخروج من الاحتقان السياسي، وسيقولون: "عفا الله عما سلف" على أن يطالبوا الإخوان بعدم الربط بين الدين والسياسة". وتابع: "الإخوان بعد المصالحة لن يقصوا من الحياة السياسية ولكن سيكون لهم دور مقنن، وهو الواقع الذي يجب أن يكون مثلما حدث مع حزب "الوفد"، حيث لم يستطع أحد أن يقصيه على الرغم من كل ما تعرض له على مر العصور". وشدد رئيس مجلس أمناء مركز ابن خلدون على أن مبادرته حول المصالحة مازالت مستمرة للم شمل المجتمع المصري من جديد، قائلاً: الإخوان تمثل شريحة من المجتمع المصري، ولا يمكن أنها نتجاهلها، ولذلك ما زلت أدعو السلطة والإخوان لفتح الملف من جديد". ورأى إبراهيم، أن "المصالحة سيكون لها فوائد كبيرة على جميع طوائف المجتمع في جميع مناح الحياة، وعلى رأسها القضاء على الإرهاب في سيناء، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز دور المجتمع المدني". من جهته، قال هشام النجار، الباحث في الحركات الإسلامية، إن "حديث الرئيس السيسي عن المصالحة الوطنية اليوم في مؤتمر الشباب يعني أنه يرفضها تمامًا". وأضاف النجار ل "المصريون": "الدولة أغلقت باب المصالحة مع الإخوان منذ البداية، ولم يصدر أي تصريح رسمي من جانب الدولة منذ عزل الإخوان من الحكم في يوليو 2013، يؤكد رغبة الدولة في المصالحة". وشدد النجار على أن "الدولة لا تعترف بوجود جماعة الإخوان من الأساس حتى تتصالح معها، فهي تعتبرها كيانًا غير شرعي، وجماعة محظورة تعمل تحت الأرض، فكيف للدولة أن تتصالح مع تنظيم غير شرعي ارتكب أعمال العنف على الأراضي المصرية". وأضاف النجار: "الدولة تتعامل مع أعضاء الإخوان على أنهم خالفوا القانون وحرضوا على العنف ويجب محاكمتهم، ولا يصح أن تتعامل مع جماعة محظورة بصفة "الند للند"؛ فهناك فرق بين دولة وتنظيم غير شرعي، وهذه هي وجهة نظر الدولة في المصالحة أنها ككيان لا يجب أن تتصالح مع تنظيم غير شرعي خارج عن القانون". وذكر أن "جماعة الإخوان نفسها عندما اشترطت عدة شروط للمصالحة، فإن ذلك لا يعني رغبتها في المصالحة، بل هي مناورة سياسية أمام العالم لجذب التعاطف معها". وأكد أن "الجماعة في حقيقة الأمر ليست موحدة الآن كي تتخذ موقفًا نهائيًا من المصالحة؛ فالقرار الإخواني يخرج الآن من بعض القيادات المحسوبة على التنظيم الدولي للإخوان والتي تتواجد بين الحين والآخر داخل الأراضي التركية". في السياق ذاته، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن "الرئيس السيسي يرمي الكرة في ملعب الشعب فيما يخص المصالحة الوطنية في مصر بتصريحه أن المصالحة ليست في يده". وأضاف ل "لمصريون": "الإرادة السياسية للدولة هي من تمتلك حق المصالحة، والرئيس السيسي يتمتع بقدر كبير من الذكاء السياسي بمحاولة إشراك الشعب في قضية المصالحة الوطنية، ولم يتخذ قرارًا فرديًا بقوله مثلاً: أنا كرئيس للجمهورية أرفض المصالحة، بل تركها معلقة في يد الشعب". وأشار في المقابل إلى أن "قيادات الإخوان داخل السجون المصرية مثل عصام العريان ومحمد البلتاجي ومحمد مرسي وخيرت الشاطر ومحمد بديع هي من تمتلك قرار المصالحة مع الدولة المصرية، وليس القيادات الإخوانية الموجودة في الخارج، لأن هذه القيادات المتواجد بالخارج دورها الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين فقط وليس اتخاذ القرار". واستطرد: "القيادات الاخوانية الموجودة بالسجون هي جزء من الصراع السياسي الذي حدث بعد 3 يوليو 2013؛ وبالتالي فلا مصالحة بدون موافقتها، وإطلاق سراحها من السجون، لأن هذه القيادات كانت في رأس السلطة، إبان حكم الجماعة للبلاد، وأي مصالحة تتم دون رغبتها لن يتم تفعيلها على أرض الواقع".