مشكلة كبيرة تقابل أي صحفي وتواجهه في حياته المهنية، خاصة حينما يكبر وينمو ويرتقي، ويكون صاحب عمود في صحيفة يومية، حيث يجد أن هناك من يلزمه أن يكتب يوميا ويملأ هذا العمود بكلام يقرأ ويفيد ويثري.. وهنا لا يستطيع هذا الصحفي أن ينجو من هذه المأزق إلا بثقافته الواسعة، وعلمه الغذير، وخبراته الحياتية المتنوعة.. أما إذا افتقر لهذه الأشياء، فإن قلمه سيتحول ليكتب في الأمور التافهة حتى يغطي ما لديه من عجز ويوفي ذلك العمود الذي يلح عليه بطعام من الكلمات يأكله كل يوم. ويكتب كاتبنا ويدور قلمه متسولا هنا وهناك، ولا يجني هذا المرار إلى القراءة الذي يشاهدون قلما يتيه كل يوم في تفاهة وفلس وجدب وفقر ونضوب. بعض الصحفيين لكي ينجو من شبح الإفلاس والتفاهة يلجأ دائمًا إلى الكذب والهجوم وتشويه الآخرين واتهام الغير بما ليس فيه، حتى يملأ حياته بالأكشن، ويظل في عراك دائم ومتواصل، ويقنع قراءه أنه يكتب في المليان.. تمامًا مثل صحيفة مفلسة في القيم، وتريد أن تلفت إليها الأنظار، فتلجأ للحديث في جرائم الجنس والكذب السياسي وتشويه الآخرين وابتزازهم، وكتابة قصص خيالية وهمية واهية تكتبها أقلام كاذبة لا تعرف معنى الشرف والمروءة، ولا تعرف قيمة القلم ومكانة القيم. بعض الكتاب الكبار الذين يتمتعون بثقافة واسعة، وقراءة غزيرة، وخبرات حياتية كثيرة، للأسف إذا لم يتنبهوا لأنفسهم فإنهم يقعون في هذا الشرك، ويقدمون سطور التفاهة التي تضر بسمعتهم، وتجعل القارئ يتعجب منهم هذا الحال الذي لم يألفه عنهم. ما معنى أن نجد صحفي كبير، يكتب عن تسريحة مذيعة معينة في التلفزيون، وأنها لا تعجبه؟! وما معنى أن يكتب صحفي كبير ومرموق عن لحية لاعب الكورة وأنه غير معجب بتسريحة شعره.؟! ووجهة نظري أن كاتب العمود اليومي، يعرض نفسه لعمل شاق وضخم وجبار، فهو تمامًا يشعر بمن يلاحقه ويرصده ويهدده ويذهب عنه الأمان والشعور بالقرار.. فرق كبير بين أن تكتبت بما يمليه عليك وحيك، وبين أن يطلب منك أو يفرض عليك أن تكتبت. ولك أن تعلم أن هناك وقت تتحول فيه هذه التفاهة إلى خيانة، فحينما يغط العالم العربي والإسلامي في العديد من المشكلات التي تكاد تذهب بمصيره ومستقبله، وحينما تكون هناك شعوب مسلمة أو عربية تتألم وتواجه مصيرها بالفناء والاحتلال.. ثم يطلع علينا صاحبنا الصحفي، وكاتبنا الكبير بحروف ومقالات تغط في تفاهة منقطعة النظير مفصولة عن الواقع وآلامه، معزولة عن مآس الإنسان ومعاناة الشعوب.. هنا فقط.. كم يكون هذا القلم هينًا رخيصًا مبتزلا تافهًا خائنًا. وأحيانا تكون هذه التفاهة بأمر الأنظمة الحاكمة، حتى تغرق الناس وتشغلهم في أمور بعيدة عن إدارة البلاد وشؤون السياسية، وهي أيضًا تعد من قبيل الخيانة، لأنها أقلام تسهم في جر الوطن للهاوية حينما تجهل الأمة ويبتعد أفراد شعبها عن قضاياها. ودعك من هذه الصحيفة وذاك الكاتب، فالمفزع في الأمر أن تجد لهذه التفاهة سوقًا ورواجًا، وأن تجد هناك قارئًا يستعذبها وتروق له، ويمجد صاحبها ويفخم من كتاباته.. هنا فقط تكون الحيرة وتكون الطامة.