أكد الدكتور محمد عبد الغفار، الطبيب الشرعى بالمشرحة المركزية بالقاهرة، أن قرار النائب العام بتوقيع الكشف الظاهرى على شهداء 25 يناير ضيع حقوقهم؛ لأنه لا يستطيع الجزم بسبب الوفاة، مشيرًا إلى أن ضباط الداخلية حصلوا على البراءة بهذا القرار المخالف. وأوضح عبد الغفار فى حواره مع "المصريون" أن قرار تشريح جثث شهداء الثورة جاءت بعد حوالى خمسة أشهر من الوفاة، مبينًا أن التأخير أدى إلى اختفاء معالم الجريمة بعد أن تحللت أغلب الجثث. ** فى البداية.. ما المعوقات التى تقابلك فى عملك؟ الأمن هو أول وأخطر المعوقات.. فلا يوجد تأمين على المشرحة، فنحن نتعامل مع أهل المتوفى بشكل مباشر، ومعظم الذين نقوم بتشريحهم مسجلون خطر، فنتعرض للتهديد بالأسلحة النارية والبيضاء، خاصة أن أغلب الناس لا يفهمون دور الطب الشرعى، فهم يعتقدون أننا أصحاب قرار التشريح، وهذا غير صحيح، فعملنا قائم وفقًا لقرار من النيابة العامة. ** وهذا التهديد يمثل خطرًا على حياتكم؟ بالتأكيد.. لدرجة أنه عند خروج أى طبيب أو فنى من المشرحة كل يوم يتلو الشهادتين،لأن أهالى المتوفين يمكن أن يصيبونا بأسلحتهم، فحياتنا فى كل يوم وكل لحظة معرضة للخطر، وأذكر أنه فى ذات يوم دخل علينا أهل أحد المتوفين بالمشرحة وهددونى بالسلاح إذا قمت بتشريح الجثة، كما أن لى زميلاً قام أهل المتوفى بتوجيه عشر مسدسات إلى رأسه أثناء التشريح، فاضطر أن يكشف كشف ظاهرى مما ضيع حق المتوفى. ** معنى هذا.. أن هناك كثيرًا من القضايا ضاعت فيها الحقوق بسبب إجراء الكشف الظاهرى؟ بالطبع.. فكل القضايا التى ضاعت فيها حقوق القتلى كانت من أهم أسبابها الكشف الظاهرى على المتهمين، وهذا حدث فى قضية قسم شبرا أول التى حصل فيها المتهمون من الضباط على براءة فى قضية شهداء يناير، لأننا لم نستطع تشريح جثث الشهداء بناءً على قرار النائب العام بتوقيع الكشف الظاهرى فقط دون إجراء الصفة التشريحية، وبالتالى لا أستطيع الجزم بسبب الوفاة. ** القاضى أمر بتشريح الجثة فى هذه القضية..؟ هذا صحيح.. ولكن فى المقابل جاء قرار التشريح بعد 5 أشهر، بعد أن تحللت الجثة وضاعت معالمها، وبالتالى لا أستطيع الجزم بسبب الوفاة إلا فى حالتين، إما أن كان بمقذوف نارى أو كسر فى العظام بشكل ما، وعند تشريحنا للجثة لم نر أى مقذوفات نارية وكانت كل العظام سليمة، وبالتالى لا نستطيع أن نقول أن المقتول تم قتله بقذف نارى، لأن الرصاصة من الممكن أن تكون قد دخلت وخرجت دون أن تحتك بالعظام. ** ومتى أصدر النائب العام هذا القرار؟ النائب العام أصدر القرار ثانى يوم الثورة، وكل طبيب لديه صورة من قرار النائب العام. ** وكيف تم التشريح قبل قرار النائب العام؟ فى اليوم الأول، كانت التعليمات أنه إذا كان هناك مقذوف ظاهر نخرجه، فأى جثة بها طلق نارى نضعها تحت الأشعة فإذا كان فيها مقذوفات تظهر لنا ويتم تشريح الجثة. ** وماذا بعد أن أصدر النائب العام القرار بالتشريح؟ كان القرار كما أبلغنا الدكتور السباعى، كبير الأطباء الشرعيين وقتها، أنه إذا وجدنا مقذوفات لا نخرجها، وبالتالى لا أستطيع الجزم بسبب الوفاة. ** ولماذا أصدر النائب العام هذا القرار؟ فى اعتقادى، لأن عدد المتوفين وقتها كان كبيرًا جدًا، وأن الأهالى لم تكن لتسمح بتشريح أجساد أبنائهم. ** إذا كانت ظروف العمل بهذا السوء، فالظروف داخل المعامل والمشارح أكثر سوءًا، فكيف تواجهون تلك العقبات للخروج بنتائج؟ المشكلة الأساسية التى يواجهها طبيب التشريح، عدم وجود أجهزة تكييف داخل أغلب المشارح، مما يؤدى إلى تعفن الجثث فى أقل من 24 ساعة، خاصة أن هناك جثثًا تأتى متعفنة أساسًا، كما أن الجثث تكون ذات رائحة لا تطاق بفعل التعفن، ونظام "الشفاطات" داخل المشرحة ضعيف جدًا. ** وهل المقابل المادى كافٍ لكل هذه المخاطر التى تتعرض لها؟ إلى حدٍ ما معقول، فالطبيب الشرعى يحصل على أساسى المرتب 500 جنيه، ولكن هناك بدلات سهر مدنى وحوالات، بالإضافة إلى تقاضى مبلغ 110 جنيهات مقابل كل جثة يقوم بتشريحها. ** وما متوسط عدد الجثث التى تقوم بتشريحها شهريًا؟ بعد الثورة أصبح العدد كثيرًا جدًا، فمتوسط عدد الجثث التى أقوم بتشريحها يمكن أن يصل لأكثر من40 جثة شهريًا، أما قبل الثورة كان العدد لا يصل إلى 10 جثث شهريًا يقوم بتشريحها الطبيب. ** معنى هذا أن عدد الأطباء أصبح غير كافٍ؟ بالتأكيد.. فنحن 56 طبيبًا شرعيًا على مستوى جمهورية مصر العربية، وفى القاهرة عددنا 15 طبيبًا، وبسبب هذا العدد القليل يعمل الطبيب على 12 قضية يوميًا. **وهذا يرهقك؟ بالطبع. ** هل يمكن أن تخطئ فى كتابة التقرير بسبب الإرهاق؟ بالطبع يمكن أن يحدث ذلك، لكنها أخطاء يمكن تداركها، كما أن القضايا تتم مراجعتها. وماذا عن فنى التشريح؟ بالنسبة لفنى التشريح فعددهم قليل جدًا، حيث يمكن أن تجد 3 أطباء شرعيين فى مشرحة ولا يجدون فنى تشريح واحد، وكثير من المشارح وعلى رأسها مشرحة القاهرة لا يوجد فيها سوى فنى تشريح واحد لكل 3 أطباء شرعيين، رغم أن القاهرة مشرحة مركزية يجب أن يكون فيها عدد أكثر من ذلك بكثير، لأن فنى التشريح يقوم بمجهود ضخم، فهو الذى يشرح الجثة والطبيب يشرف عليه ويكتب التقرير. **وكيف ترى مصلحة الطب الشرعى الآن؟ الأحوال متردية جدًا.. حتى عندما قدمت ألمانيا منحة لمصلحة الطب الشرعى لم يهتموا بها، فالأطباء عندما ذهبوا أنفقوا من أموالهم الخاصة، وكل طبيب أنفق ما لا يقل عن 5 آلاف جنيه رغم أن له مصروفًا يوميًا يصل إلى 100 دولار، ولم تهتم المصلحة بالمطالبة بأموال الأطباء. ** رئيس المصلحة يقول إنه يسعى لتطوير المصلحة، وقام بتوزيع 30 كاميرا ديجيتال بقيمة 150 ألف جنيه؟ لم يحدث هذا، ولم نستلم أى كاميرا ديجيتال، ونحن نستخدم كاميراتنا الخاصة. ** هل هذا سبب إضرابكم عن العمل؟ ليس هذا فقط.. ولكن رئيس المصلحة ضيع حق الطبيب الشرعى فى الوزارة، وطالما رئيس المصلحة لا يحافظ على كرامتنا، فمن الذى سيحافظ عليها. **وهل الإضراب أتى بثماره؟ لم نحصل إلا على وعود فقط، فقد أحضروا سيارة أمن مركزى للتأمين بعد عشرة أيام من الإضراب، واختفت سيارة الأمن المركزى بعد ثلاثة أيام.