في اجتماع لقناة العربية قبل عدة سنوات تحدث الأستاذ عبدالرحمن الراشد رئيس القناة في تلك الفترة عن عمرو أديب باعتباره الأغلى أجرا بين جميع الإعلاميين العرب، وقال بلهجة فسرتها شخصيا بأنها ساخرة – وقد أكون مخطئا – إننا كصحفيين عرب نفتخر أن صحفيا من بيننا يأخذ ذلك الأجر. لا أتذكر ما الذي جعل الاجتماع يأتي على ذكر عمرو أديب، بينما هو مخصص لشئون القناة وتغطياتها ونسب المشاهدة وغير ذلك من الأمور. ربما لأنه كانت هناك مفاوضات من بعض الجهات مع المذيع المصري سليل العائلة الإعلامية، إثر وقف برنامجه "القاهرة اليوم" الذي كانت تبثه قناة أوربت من القاهرة عقب قيام مدينة الانتاج الإعلامي بإغلاق استديوهاتها، وقيل أيامها أن السبب هو عدم دفع الشبكة للدفعات المالية المتأخرة عليها، لكن بعض وسائل الإعلام رأت أنه قرار سياسي نتيجة غضب المهندس أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطني السابق وعضو لجنة السياسات والمقرب من الرئيس مبارك ونجله عقب تجاوز عمرو أديب الخطوط الحمراء في حلقة 7 أغسطس 2010 . من الطبيعي تراجع أي مفاوضات معه في تلك المرحلة خوفا من غضب الرجل القوي وامبراطور الحديد في زمانه المهندس أحمد عز ، ومن ثم غضب الرئاسة وجمال مبارك تحديدا وهو الأهم. كان عمرو أديب طالبا يأتي إلى مقر الشركة السعودية في شارع جزيرة العرب بالمهندسين التي عمل فيها شقيقه الأكبر عماد الدين أديب كاتب عمود في جريدة الشرق الأوسط في لندن، وترأس تحرير كل من مجلة المجلة ومجلة سيدتي ومعه زوجته السابقة الدكتورة هالة سرحان، ومن هناك صعد نجمهما بسرعة الصاروخ قبل أن يؤسس مؤسسته الصحفية في القاهرة ويستقل بها. لم يتوقع أحد أن ذلك الشاب الذي يملك خفة دم وصوتا عاليا سيصبح النجم الإعلامي الأول على مستوى القنوات العربية والأعلى أجرا، وهو ما حدث مؤخرا عقب تعاقد ام بي سي معه، براتب قيل إنه يزيد عن 3 ملايين دولار سنويا. وصفه تركي آل شيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية في الفيديو الذي بثه على صفحته ويجمعه مع عمرو أديب وبتال القوس المذيع الرياضي في العربية وعضو مجلس إدارة ام بي سي، بأنه "لاري كنج" العرب. لكن الفارق هائل بين الاثنين. لاري كنج شق طريقه بالصدفة وحقق نجاحا مذهلا بفضل مواهبة وامكانياته الشخصية، أما أديب فقد وصل القمة بفضل علاقاته بالسلطة وصناع القرار، وهي علاقات تتيح النجومية لأصحاب الحظوة وتسحبها من من المغضوب أو غير المرضي عليهم. الصحفي والإعلامي القدير محمد صلاح الزهار بقناة سكاي نيوز عربية والذي عمل سابقا مراسلا لقناة العربية من القاهرة، كتب بوست على صفحته في الفيسبوك، يشرح فكرة تأثير السلطة على البزوغ الإعلامي، وهي فكرة لا يمكن نفيها خصوصا في العالم الثالث ومصر تحديدا، وقد أثارها صحفيون من جيل محمد حسنين هيكل بشأن علو قامته عليهم، فعبدالناصر قربه منه وخصه بما لم يخص به غيره. لكن هيكل استمر بعد ابتعاده عن السلطة لأنه يحوز مواهب وامكانيات وخبرات عظيمة وذكاء فطريا حادا وكاريزما لا تتكرر بالنسبة للكتاب والصحفيين. يطرح الزهار أسئلة، أظن أنها شرعية وغير ممنوعة بشأن الإعلامي الأعلى أجرا، مع تهنئتنا له وفرحتنا به حتى لا يظن البعض أنها غيرة مهنية. أعيد ما كتبه محمد صلاح الزهار، وهو صحفي كبير بمؤسسة أخبار اليوم. هل الرئيس سيجري مداخلات هاتفية مع ذلك الإعلامي في برنامجه مرة أخرى؟.. هل ستفتح أمام ذلك الإعلامي مقار الأجهزة الأمنية وبالأخص مقر جهاز الأمن الوطني؟! وهل ستحيط الدولة وأجهزتها فرق عمل برنامج ذلك الإعلامي الأعلى سعرا بكل سبل الرعاية وتفتح لهم كل الأبواب المغلقة؟!.. وهل سيحرص اللواء كامل الوزيري رئيس الهيئة الهندسية على التحاور هاتفيا مع ذلك الإعلامي حول أبرز جهود مواجهة الكوارث والأزمات وآخر أخبار أهم المشروعات القومية التي يجري تنفيذها؟!.. وهل سيظل مجلس الوزراء وأعضاؤه حريصون على التواجد على شاشة البرنامج، لحما ودما عبر الهاتف؟! ننتظر لنرى. ولكن قناعتي أن الصوت العالي بمفرده فقط ليس هو الذي يوجد القيمة المالية لأي إعلامي وخصوصا إذا كانت غير مسبوقة إلا إذا... المعنى الماحق الساحق يكمن في الجملة الأخيرة للزهار، إذ يقول: شهادة لله. حق الدولة في العقد الأغلى أجرا في الشرق الأوسط لإعلامي ليس هو قيمة الضرائب المستحقة فقط، لأن الدولة وأجهزتها "ليها كتير أوي".. يبقى سؤال مهم من عندي.. عن علاقة تركي آل الشيخ بذلك الانجاز الضخم، وهو أيضا محسوب على السلطة ونافذ فيها. [email protected]