خمس سنوات مضت.. مذ كتبت مقالى الأول باسمى الحقيقى ونشرته على صفحات الشبكة العنكبوتية.. فقد حرّكت بضعة مشاهد من مسلسل "باب الحارة" شجوناً وأمنيات فى وجدانى.. فانبثق قلمى يسطّر هلوسات ترجمت نبضات فكرى يومها.. وطبّلتُ وزمّرتُ لرجال لطالما بحثنا فى وجوه الناس عن بعضهم! فتجمّعوا فى مسلسل عبّرتُ عن إعجابى بشهامتهم وشجاعتهم ونخوتهم وغيرتهم.. وأذهلتنى استجابتهم لنداء الثوار وسعيهم لنصرة الحق يومها فقلت: "فى المشهد الأخير حين يعتلى الرجال صهوة الجياد للهجوم على المحتل لم أتمالك دموعى من الانهمار.. وتخيلت لو شبّ على ذلك رجالُ أمّتى الذين يتعدّى تعدادهم الملايين.. وهبّوا لتحرير الأرض والعرض.. مستمسكين بالعروة الوثقى.. متوكلين على القوى الجبار.. غير آبهين بنار الظلم والخيانة.. فماذا سيكون حال فلسطين؟ والعراق؟ وسائر الأراضى المغتصبة.. إن من محتل الخارج أو من خائنى الداخل؟!! جال بعينَى صور الأسرى فى سجون الاحتلال الصهيونى وحكام الأنظمة العميلة الخائنة.. مَن لهم؟ ومن سيستنفر لنجدتهم من العرب؟".. دغدغ خاطرى مشهدُ العزّة التى يجسّدها "العقيد".. والهبّة الشبابية.. وثوار الغوطة.. والاستبسال.. واسترخاص الغالى لأجل حفنة من تراب "الشام"! وتفاءلت.. أن سيأتى يومٌ ليتحقق كل ذلك ونعيشه واقعاً فى سوريا.. "جمهورية الخوف"، كما أسمَوها يوماً جرّاء استئساد فئة ظالمة طاغية والحكم بالحديد والنار! ثم شاء الله جل وعلا أن تشتعل الثورة فى سوريا.. وأن يكسر السوريون الشرفاء جدار الخوف.. وتكون انتفاضة كبرى ما زالوا يدفعون فاتورتها حتى اليوم.. آلاف الشهداء والمعتقلين والمهجّرين "والمغتصبات"!! اعتقدتُ أن مَن أقنعنا بتمثيله فى المسلسلات الشامية أنه ثائر على الظلم والاحتلال سيكون فى الصفوف الأولى.. يذود عن الوطن.. ويجعل ما مثّله يوماً واقعاً معاشاً.. ليحطم القيد ويدمر الأغلال! ولكن للأسف.. كان من الفئة الباغية التى تقف وراء الطاغية وتطبّل له! وتنصره.. وتصافح يديه المصبوغتين بالدماء! هل يُعقَلُ أن يحترف المرء تمثيل الكرامة إلى هذا الحد وهو لم يشمّ ريحها يوماً؟! أى قدرة جبارة تلك؟! وأن نقتنع أنه شهم مقدام وهو جبان رعديد أو منهزم كذّاب!! يخرج "معتز الزكرت" فى مسيرة مؤيّدة للنظام الأسدى المجرم يصرخ "الله.. سوريا.. بشار وبس!".. ويصدع "الحكيم" بالقول إن الثورة هدفها نشر الفتنة! ويلحقهم الكثير من "كبار" الفنانين السوريين ليكملوا زركشة التعليقات.. ففى نظر هؤلاء: الثوار مندسون.. مخرّبون.. خائنون.. متآمرون لإسقاط النظام.. ويعملون لأجندات خارجية.. والمقاطع التى تُعرَض مفبركة.. والهدف زعزعة استقرار البلد!!.. ما هالنى هو هذا الكمّ من الفنانين الذين يؤيّدون النظام المجرم.. فهل ما ينطقون به يصدر من الخوف.. أم من الجبن.. أم من الوهم.. أم من اقتناع مبنى على مبادئ مشوّهة!؟! هل يُعقَلُ أن هذه الدماء التى تنتشر لم تُزكِم أنوفَهم وتهزّ مضاجعهم؟! هل صحيحٌ أن النظامَ لا يسمح بدخول الحقل الفنى إلا لمن أُشبِعَ أفكار البعث ومواثيقه؟! ولكن.. إنسانياً.. أيُعقل أن يجدوا مبررات لكل هذا الذبح والقتل والاغتصاب والتدمير والتخريب وقد باتت الأفلام المنشورة فى اليوتيوب أكثر من أن يستوعبها عقل بشري؟!! وهل يستحق الأمر التبرؤ من الابن لأنه أبصر الحق فاتّبعه كما فعل الممثل عبد الرحمن آل رشى؟! تُرى هل أصبحت "رسالة الفن" مجرد مصالح شخصية.. والوسط الفنّى ألعوبة تُدار من أصحاب القرار؟! وهل يُعتب على الفنانين نصرتهم للباطل فى حين ضلّ وأضلّ بعض العلماء الخائنين للأمانة بعد أن فقدوا البوصلة؟!! هى حقاً قائمة عار.. تلك التى تحمل أسماء كبيرة أو صغيرة لا فرق.. ممّن باعوا دنياهم بدنيا غيرهم.. وسيذكر التاريخ دوماً ذكوراً ركبوا موجة النظام فغرقوا فى عمق التخاذل والانبطاح.. بينما سترتفع رايات الشرفاء خفاقة عالية.. الذين ارتضوا أن يصدحوا بالحق.. أما الذين خافوا والتزموا الصمت.. فستنوء بنأيهم الساحة الفنية.. حين تنتصر الثورة بإذن الله تعالى.. وتسقط الأقنعة!