إن الأفعال الصبيانية التي إرتكبتها إدارات معظم جامعات مصر بالتواطؤ مع جهاز تهديد الدولة (المعروف بأمن الدولة) تمهيدا للانتخابات الطلابية ، والتي تناولتها بالأمس، لا ينتج عنها إلا شغل الأساتذة ومجتمع الجامعة بمشاكل واستفزازات لا تنتهي.. من إعتقال الطلبة والإساءة إليهم ، إلى طردهم من المدينة الجامعية ، إلى الكيد لهم في الإنتخابات بمختلف الوسائل وصولا إلى الشطب تنفيذا لأوامر وإملاءات ضابط أمن الدولة. وما يقال عن مجتمع الجامعة يقال عن مجتمع مصر المنشغل منذ شهور بحديث الإصلاح الذي هو في حقيقته حديث إفك وتدليس بدأ بواقعة الاحتيال الشهيرة الخاصة بتعديل المادة 76. فلماذا يشغلوننا بهذه الأمور؟ هل لصرف الإنتباه عما يجري في القدس وفلسطين ، أو عما يحاك لسوريا وإيران؟ ولمصلحة من يجري إستعداء الطلبة الملتزمين الجادين ، وإحتضان الطلبة التافهين الخانعين في مجالس طلابية معينة كما هو حال جميع المجالس في مصر؟ عندما أصف جهاز أمن الدولة بالتهديد ، فأنا لا أقصد بهذا الإساءة إلى الضباط العاملين فيه. فهؤلاء مثلهم مثل أي شريحة في المجتمع المصري ومنهم شريحة أساتذة الجامعة فيهم الصالح والطالح. بل إنني أشفق على الضباط العاملين في هذا الجهازمن الشد العصبي المتواصل الذي يعايشونه ، وإلتزامهم بتنفيذ سياسة أمنية حمقاء تتعامل مع كل مواطن جاد وكأنه عدو محتمل تجب مراقبته.. سياسة حمقاء تدفع الجهاز إلى ترك ثغرات مكشوفة أمام الإرهاب في أهم المواقع السياحية ، وغض البصر عن رؤوس الفساد والجريمة في مصر بينما هو منشغل بالتجسس على الطلبة والأساتذة الملتزمين وغيرهم من المتمردين على الأوضاع الفاسدة في الوطن. وكنت بالأمس قد أشرت إلى طبيعة المواطن المتمرد والتي يستحيل الإصلاح بدونها. أما المواطن الخانع وزميله الواطي ، فهؤلاء يحتضنهم الحكم ويكتب عنهم جهاز "تهديد الدولة" أفضل التقارير الأمنية. وهناك فرق هام بين المسئول الخانع والآخر الواطي. فمن أمثلة الخانع القيادي الذي جاء من بيت محترم وأصل طيب ، ولكنه على المستوى الشخصي أضعف من أن يقاوم إغراء المنصب ، وأن يتحمل مسئولية قيادة مؤسسة تتطلب قيادتها قدرة على الاستقلالية والصمود أمام ضغوط مراكز القوى والفساد . هذا المسئول يستحيل أن يقول لا لضابط أمن الدولة لأنه يعتقد أن مصيره في يد هذا الضابط ، وإنما يستأسد على مرؤوسيه الذين يضغطون عليه من الاتجاه الآخر لإحقاق الحق. أما المسئول الواطي ، فلا أدل عليه من رئيس التحرير الذي نراه على الفضائيات يشوه الحقائق بلا خجل ، ويهاجم الشرفاء بينما هو لم يصل إلى منصبه إلا على أساس موهبته في التملق والنفاق والرياء. رئيس التحرير هذا كما أراه يستحيل أن يكون من بيت محترم ، وهو يمثل حثالة القوم في مصر.. الحفاة العراة المتطاولون في البنيان الذين يظن كل منهم أن منصبه يرفعه إلى مستويات لم يكن ليحلم بها ، بينما في الواقع يسقط بمنصبه إلى مستواه وحجمه الطبيعيين لأن الواطي يظل واطي مهما أثرى ونافق وتجبر. لقد نشرت صحيفة (الشرق الأوسط 7/10) أن الحكومة اللبنانية وافقت على إلغاء جهاز أمن الدولة "من أجل ضبط الأوضاع الأمنية التي كانت مصدر شكوى طوال سنوات من المعارضين وبعض المسئولين." وهذا أمر ممكن أن يحدث شريطة أن تتخلص مصر من جماعة الفساد المتسلطة على الحكم. [email protected]