اطلعت على الحوار الذي أجراه القطب الإخواني الشهير "يوسف ندا" مع قناة الجزيرة ، وخرجت بانطباع واضح من الحوار وهو أن الجماعة بدأت في نهاية المطاف تعود إلى العقل السياسي ، والتسليم بالأمر الواقع في مصر ، بل وتعلن بشكل واضح أنها تطوي صفحة محمد مرسي ، وأن الحديث عن "شرعيته" يمكن أن يكون من الماضي ، صحيح أن يوسف ندا غلف كلامه هنا بأنه يتحدث بصفة شخصية وليس باسم الجماعة ، ولكن كل من يعرف مكانة المتحدث وآليات القرار في جماعة الإخوان يدرك بداهة أن يوسف ندا يحمل رسالة من التنظيم ، وأنه لا يجرؤ على أن يقول هذا الكلام من تلقاء نفسه أبدا . يوسف ندا هو الممول الرئيس والأهم لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي ، ومثلما كانت تفعل المنظمات غير الشرعية المشابهة حول العالم ، فتتم إقامة شركات دولية بأسماء أشخاص يديرونها ، لكنها في حقيقتها أموال الجماعة واستثماراتها ، فشركاته في النقل البحري وتجارة الأخشاب والبنوك الاستثمارية وما شابه هي رأسمال الجماعة ، والمال داخل الجماعة يحسم القرار ، ولأصحاب الأموال فيها حظوة استثنائية ، وكلمتهم مطاعة وجانبهم مهاب ، لذلك كان يوسف ندا وخيرت الشاطر من أهم أصحاب القرار في الجماعة وتنظيمها الدولي ، وعندما تصدر مثل هذه التصريحات عن يوسف ندا ، فهي أهم وأوثق مما يقوله المتحدث الرسمي باسمها ذات نفسه . حوار يوسف ندا حمل قصصا وحواديت لا شاهد عليها ، وادعاءات تحوي تضخيما لشأن الجماعة على الصعيد الدولي بصورة فجة للغاية ، مثل إشارته إلى أنهم يجرون اتصالات وتواصلا مع المجتمع الدولي ، وهي خرافات بطبيعة الحال ، فالاتصالات مجرد لقاءات هامشية مع أعضاء برلمان أو موظفين صغار في وزارات الخارجية أغلبهم عناصر استخبارات ، وهي لقاءات تهدف لجمع معلومات وتقدير موقف ، وهي تحدث مع نشطاء عاديين وصحفيين وشخصيات رمزية عادية ، ولكنه يحاول تضخيم شأنه وشأن التنظيم بحديثه عن لقاءات رفيعة المستوى ويضيف أنه ليس في حل من الكشف عنها لأنها ما زالت سارية ، والحقيقة أن هذا الكلام إن صح يدينه تماما ، لأن مثل هذه اللقاءات "السرية" وغير المعلنة حسب اعترافه هو هي علاقات استخباراتية ، يشارك فيها العملاء وليس رجال السياسة . كما أن حديثه عن صلات الجماعة بالفريق سامي عنان فيها قدر كبير من الادعاء والإساءة غير الأخلاقية أيضا ، خاصة عندما قال ما نصه : (علاقات عنان كبيرة، ولا يزال معتقلا حتى الآن، ولا أريد التحدث بكلام يؤدي إلى إعدامه أو شنقه) ، هل هذا كلام يقوله أي شخص مسئول أو حتى عاقل ، توحي بأن بينك وبينه علاقات لو كشفتها لوصلت به إلى حلب المشنقة ، أي أخلاق هذه ، وأي إحساس بالمسئولية تجاه الناس وخاصة شخصية بحجم ووزن الفريق عنان ، وأنا على يقين من أن ما يقوله ندا هنا محض أكاذيب وادعاءات ، ولو كان لديه أي إضافة عن عنان فما كان ليتورع عن نشرها أو تسريبها . أهم ما ورد في حوار "يوسف ندا" بعيدا عن التهويم والحواديت هو نقطتان : الأولى إعلان رغبتهم في الحوار مع السلطات في مصر ، والثانية هي إعلانه قبول طي صفحة محمد مرسي والتوقف عن الحديث عن "شرعيته" ، وقد دعا جماعة الإخوان إلى مطالبة مرسي بالتنازل عن شرعيته لحل الأزمة، لكي تبدأ مرحلة جديدة من الشرعية بانتخابات حرة حسب قوله ، وفي الحقيقة أن الانتخابات مضت ، ولا أحد يعبأ بحديثه هنا عن مرحلة جديدة ، ولكنها فقط محاولة لحفظ ماء الوجه عندما يتنازلون عن الدعوى التي أراقوا بسببها دماء آلاف الشباب ، معرضين عن الدعوات الملخصة والمبكرة لهم بوقف الصدام والبحث عن حلول وسط ، فاستكبروا وغرتهم أنفسهم ، وتسببوا في مصائب كبيرة لأنفسهم وللوطن كله ، ثم يأتون بعد كل هذا الدم والمصائب لكي يقولوا : نبدأ مرحلة جديدة . مثل كل دورة تاريخية مرت بها الجماعة ، منذ نشأتها ، يرتكبون الأخطاء السياسية الجسيمة والتاريخية ، ويدفع آلاف من شبابهم ثمنها من دمهم أو أعمارهم الضائعة في الزنازين ، ثم يعودون بعدها إلى نقطة الصفر بل ما قبل الصفر ، ليبدوأ "لعبتهم" من جديد ، فعلوها مع فاروق وتورطوا بقتل النقراشي وانتهت بحل الجماعة وتصفية مؤسسها وحشرهم في السجون ، وفعلوها مع عبد الناصر فسحقهم سحقا ، وفعلوها مع السادات فانقلب عليهم بعد أن أفسح لهم عدة سنوات ، وفعلوها مع مبارك فحدد لهم سقفا "واطيا" قبلوه سنوات ، ثم قرر أنهم لا يستحقون حتى هذا السقف فأقصاهم ، ثم فعلوها مع ثورة يناير ، والتي هي أكبر ضحايا الجماعة وسوء نواياها وأطماعها التي أودت بها خلال عام واحد من تولي السلطة . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1