أسدلت الهيئة الوطنية للانتخابات الستار على الفصل الأكثر إثارة في الانتخابات الرئاسية الحالية بإعلانها شطب اسم الفريق سامي عنان من قوائم الناخبين ، وبالتالي خروجه رسميا من سباق الترشح للانتخابات أمام الرئيس السيسي ، وجاء ذلك بعد بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بإدانة عنان بارتكاب عدة مخالفات استدعت تحويله إلى التحقيق بمعرفة القضاء العسكري ، حيث جرى توقيفه بالفعل كما تواترت الأخبار ، وقد حظر القضاء العسكري النشر في التحقيقات وبالتالي سيكون على الجميع الانتظار لمعرفة الوضع القانوني للفريق عنان بعد انتهاء التحقيقات والتي لا نعرف كم ستستغرق من الوقت ، خاصة أنها تتعلق بأكثر من تهمة ، ولكن في كل الأحوال ، وعلى المستوى السياسي ، تم غلق صفحة "المرشح" سامي عنان . ما جرى مع عنان أبطل نظرية بعض أطراف المعارضة ، خاصة الخارجية ، التي روجت لفكرة أن ترشح عنان مجرد تمثيلية بالتنسيق مع قيادات هنا أو هناك لإخراج الانتخابات بصورة لائقة تقنع الرأي العام الدولي وتضفي شرعية على مخرجاتها ، ما جرى أوضح أن عنان فاجأ الجميع فيما يبدو ، وأن ترشحه لم يكن بضوء أخضر من أي جهة رسمية ، وأكد على أن قطاعا لا يستهان به من المعارضة المصرية مهجوس بالخيال التآمري والتفسير التآمري للأحداث بصورة مضرة بإيجابية أداء المعارضة وقدرتها على التعاطي بعقلانية مع واقع معقد ومفتوح على المفاجآت . ترشح عنان كان مربكا للجميع ، سواء القيادة السياسية أو المعارضة أو عموم الناس ، وكثرت التساؤلات ، وتعددت الاحتمالات ، وكان هناك رأي يتزايد يوميا بأن فرصة عنان في الفوز في الانتخابات كبيرة للغاية ، وتهدد السيسي فعليا ، كما أن بعض المتحدثين باسم الفريق عنان أعلنوا بثقة أنه الرئيس القادم لمصر ، وتسربت أخبار عن أنه لامس حدود المائتي ألف توكيل في عموم مصر لدعم ترشحه في الانتخابات ، وهي معلومة يصعب تأكيدها إلا من الهيئة الوطنية للانتخابات ، وبدأت حالة من التفاؤل السياسي بالتغيير تسري في مصر وعاد الناس للحديث في الشأن السياسي وما يمكن أن تكون عليه صورة مصر ، وبدأ الجدل يتسع للمرة الأولى عن مرحلة "ما بعد السيسي" ، وكان لهذه التطورات وقع صاعق على معسكر الرئاسة ، وظهر ذلك بوضوح شديد في التهديدات التي أطلقها الرئيس في ختام مؤتمر "حكاية وطن" نحو هؤلاء الذين يحاولون الاقتراب من "الكرسي" وقال أنهم يسمعونه الآن ، وأنهم فاسدون وحرامية وعليهم أن يحذروه ، وصحيح أنه لم يذكر أسماء ، ولكن كل من سمع الحديث فهم المقصود ، وظهر السيسي طوال الأيام الماضية بوجه بادي الإرهاق ، وربما ساهم في ذلك كثرة انتقالاته ولقاءاته وما افتتحه من مشروعات ، لكن مصاحبة ذلك بروح العصبية البادية في حديثه كانت أوضح من أن تدارى ، كما ظهرت موجة سريعة ومتواترة ومتشنجة من إعلانات التأييد لترشحه من قبل مؤسسات وشركات حكومية وخاصة وأندية ونقابات بصورة توضح أنها عملية "حشد" منظمة وعاجلة للرد على التحدي الذي ظهر ، كما ظهرت موجة من الكتابات الصحفية والتعليقات الإعلامية تهاجم الفريق عنان بعنف وبعضها يلوح لاتهامه بالفساد . ترشح عنان كان الحالة الوحيدة التي أضفت نوعا من الجدية على الانتخابات ، وكان يمكن أن تؤكد شرعيتها إن جرت حتى لو فاز بها السيسي ، وبخروج "المرشح القوي" من المشهد عادت فكرة الانتخابات إلى ما يشبه الاستفتاء ، لأن عاصفة عنان أرسلت الرسالة إلى الجميع ، وأغلقت الطريق ، وأصبح الناس أمام اختيار واحد ، باعتبار أن المرشح الباقي "خالد علي" في طريقه إلى الانسحاب حسب ما تسرب ، كما أن بقاءه إن قرر البقاء لن يكون له أي معنى لتغيير "الرسالة" التي تلقاها الناس ، وسيفهم على أنه مجرد "تجميل" للمشهد لا أكثر ، أو أنه نوع من الحسابات الشخصية على حساب القضية الوطنية . المناخ السياسي الآن في مصر معبأ بالعنف والقسوة والتهديد والرغبة في الانتقام ، وهذا هو الخطير ، وهو ما لا تخطئه عين مراقب ، داخل مصر أو من خارجها ، وهناك إحساس متزايد بانسداد الأفق السياسي ، فلم يعد سوى قوة واحدة وقرار واحد ورأي واحد ورؤية واحدة ، والناس لم تعد تتحدث عن تراجع الديمقراطية بل عن تراجع فكرة الدولة نفسها ، كما أن العصبية أصبحت بادية في اتخاذ المواقف والقرارات ، سواء من السلطة أو من المعارضة ، أو حتى في حوارات النخب السياسية والفكرية والإعلامية ، هذا مناخ مخيف ، وربما هو ما دفع بعض المراقبين لتشبيهه بأجواء سبتمبر 1981 ، قد يكون التشبيه مبالغا فيه ، ولكنه يعبر عن غياب اليقين بالمستقبل القريب ، والمؤكد أن ما تشهده مصر حاليا ليست أجواء طبيعية ، ولا تعطي الثقة بالاستقرار ، وتفتح المشاعر بصفة مستمرة على توقع المفاجأة . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1