إعلان الفريق أول سامي عنان ، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق ليلة أمس نيته الترشح رسميا لانتخابات الرئاسة المقبلة أثار ضجة كبيرة لم تهدأ حتى الآن في مختلف الأوساط السياسية والمعنية بالشأن العام في مصر ، وترجع أهمية إعلان عنان ترشحه إلى عدة أسباب ، جعلت من خطوته مفاجأة كبيرة من شأنها خلط كثير من الأوراق في هذا السباق . إعلان ترشح عنان أتى عبر بيان مصور في شريط فيديو ، رفضت بثه فضائيات مصرية ، وقدم نفسه فيه بطريقة فنية تعبر عن قيادة وشخصية مسئولة ، وليست مغامرة أو سطحية ، كما أن البيان الذي قدمه عنان ، على اختصاره ، واضح أنه كتب بعناية شديدة ، وحمل رسائل مكثفة إلى أكثر من جهة ، وخاصة مؤسسات الدولة ، مثل المؤسسة العسكرية والقضاء والداخلية ، وطالب الجميع بالحياد في الانتخابات مشيرا إلى أنهم أمام رئيس قد يغادر منصبه خلال ثلاثة أشهر ، وهي كلمة بالغة العنف في السياق السياسي الحالي . عنان قدم نفسه باعتباره حالة دعم لمؤسسات الدولة ، وليس مصادما لها ، وحمل الرئيس عبد الفتاح السيسي مسئولية ما اعتبره انهيارا في الأوضاع وتحميل المؤسسة العسكرية مسئوليات أساءت إليها وكانت في غنى عنها ، كما أشار إلى عجز الدولة بقيادته في ملفات الأرض والمياه ، وكذلك ألمح إلى دور القطاع المدني في مشروعات الدولة ، وهي رسالة لرجال الأعمال ، كما أشار إلى إعادة السلطة الكاملة للقضاء واستقلاله ، وهي إشارة موحية ، كما كان صريحا في انتقاد السيسي وتجربته واعتبره أضر بالاقتصاد المصري وأرهق المواطن المصري وأساء لمكانة مصر الدولية ، كما أشار إلى أهمية عودة المسار الديمقراطية الصحيح والتعددية وأعطى رسالة أمل للقوى المدنية التي عانت في فترة حكم السيسي . إعلان "عنان" أتى بعد ساعتين تقريبا من كلمة للسيسي هدد فيها بأنه "لن يسمح للفاسدين بالاقتراب من كرسي الرئاسة" ، وهي العبارة التي حار الناس في تفسيرها وبيان المقصود منها ، ولم يستبعد الكثيرون أنه كان يقصد المرشح الجديد ، وكانت المفاجأة أن عنان اختار نائبا له المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق ، والشخصية التي تعتبر على نطاق واسع في مصر رمز مكافحة الفساد وأحد أبطال تلك المواجهة وضحاياها في نفس الوقت ، لأنه خسر موقعه بسبب صلابة موقفه في مكافحة الفساد الواسع ، بل وصل الأمر إلى استصدار تشريع خاص ليمكن رئيس الجمهورية من عزله . إضافة إلى اختيار عنان لنائب مدني آخر وهو الدكتور حازم حسني ، الأكاديمي والمعلق السياسي الذي تميزت كتاباته الأخيرة بالعمق في تحليل الأزمة السياسية في مصر وانتقاد السيسي بشكل صريح وعلني ، وبدون شك فإن اختيار عنان كرئيس للجمهورية لنائبين مدنيين من الشخصيات التي تحظى باحترام واسع هو ذكاء سياسي يدعم موقفه بقوة في الانتخابات ويخفف من ظلال الخلفية العسكرية للرئيس المحتمل . خطوة عنان بتلك الصيغة التي خرجت بها تعني أن ثمة ترتيبات كانت تجري طوال الفترة السابقة وحوارات ومشاورات ، بعدا عن الإعلام ، علمنا الآن طرفا منها ، متعلق ببعض القوى المدنية والشخصيات المدنية ، لكن المؤكد أن أطرافا أخرى لها غير معروفة وربما لا يكشف عنها النقاب حاليا ، وكانت تسريبات قد تحدثت عن أن تيار "شفيق" أعلن دعمه لترشح عنان ، وهو ما نفاه مسئولون بحملة شفيق ، لكن المؤكد أن هذا التيار سيكون أحد داعمي عنان ، حتى ولو لم يكن هناك توجيه رسمي من حزبه ، لأن ما حدث مع "شفيق" صنع مرارات بين أنصاره ، إضافة إلى أن الوجهة السياسية العامة لشفيق متشابهة مع اختيارات عنان . إعلان عنان قوبل بترحاب واسع من قوى مدنية ، كانت ترفض تقليديا قبول أي مرشح عسكري ، وهذا يعني أن عنان نجح ولو جزئيا في تحقيق اختراق في القوى المدنية ، وفي تقديري أنه مع الوقت سيربح المزيد ، خاصة بعد أن اختار شخصيتين رفيعتين من القوى المدنية نوابا له ، كما أن الإحساس بالتهميش وخنق الحياة السياسية وضيق كافة الطرق للتغيير أمام المعارضة بكل أطيافها ، سيدفع تيارات عديدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلى الرهان على "عنان" ، باعتبار أنه الآن "مرشح الضرورة" ، لتصحيح الأوضاع ، وإحياء الأمل في حياة سياسية أكثر عدلا وانفتاحا ، وواقعا اجتماعيا أكثر وحدة وتماسكا بعد التمزق الشديد الذي حدث طوال السنوات الماضية ، إضافة إلى تفكيك حزمة من المظالم التي طالت تيارات سياسية مختلفة أصبح لها جميعا أفواج من المعتقلين أو المساجين أو المهددين بأحكام شديدة القسوة ، وهي ملفات يملك رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة لحلها ، وهي بالكامل ملفات تجاهلها السيسي في حواراته الأخيرة ، وفي ندوته "حكاية وطن" والتي حملت المزيد من الوعيد السياسي والوعيد الاقتصادي أيضا . كنت قد كتبت قبل أسبوع أن الأيام المقبلة ، حتى 29 يناير ، قد تكون حاسمة في رسم خريطة مصر المستقبل ، وقلت أن الأجواء كلها داخل مصر وخارجها تنتظر المفاجأة ، وأن مصر بمشكلاتها وتحدياتها لا تتحمل المزيد من هذا "التوهان" ، وفي التسريبات الأخيرة المنسوبة إلى ضابط بجهاز سيادي كان لافتا عبارة قال فيها أنهم يتحسبون من مفاجأة في الفترة القادمة وربنا يعديها على خير ، حسب ما ورد ، فإن صحت تلك التسريبات فإنها تدعم ذلك الإحساب بالتوتر ووجود معلومات أو شكوك لدى مؤسسة الرئاسة بأن أمرا ما ربما يدبر للانتخابات المقبلة . عاصفة عنان ما زالت في بدايتها ، والمؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل المزيد من المواجهات والمساجلات بين كل الأطراف ، لن تخلو من قسوة وتجريح علني ، وسقف مفتوح للاتهامات . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1