في التسريبات الأخيرة ، كما في أحداث أخرى مربكة للنظام الحالي ، اتجهت النظرات وأصابع الإشارة أيضا إلى الفريق أول سامي عنان ، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الأسبق ، وثاني اثنين ، كانا قادة المجلس العسكري الذي أشرف على المرحلة الانتقالية بعد إطاحة مبارك ، حتى انتخاب محمد مرسي رئيسا ، وقيل أن عنان هو الذي أجبر مبارك على التنحي ، ومثلما كان الفريق شفيق لغزا في علاقته بالسيسي والمرحلة الحالية ، فالفريق سامي عنان هو الآخر لغز محير في ما يتصل بما جرى من قبل انتخابات مرسي وبعدها وحتى الآن ، فهناك من أنصار مبارك والفلول من اتهموه بأنه "سهل" عملية فوز مرسي بالرئاسة وفق تصور عن خطة بتوريط الإخوان في "الحمل الثقيل" ووضعهم في صدام مع كل شركاء الثورة تمهيدا لإطاحتهم بموجة ثورية جديدة مشابهة ليناير ، والبعض يصل في التصور إلى حد اتهام عنان بأنه ساعد مرسي ، وهو كلام يصعب تصديقه ، كما أن علاقته بالمشير طنطاوي ومن بعده بالفريق السيسي "المشير بعد ذلك" ، أيضا هي لغز كبير ، فكيف تمت الإطاحة به وبالمشير طنطاوي من قمة هرم المؤسسة العسكرية بقرار مفاجئ من محمد مرسي ، حيث ما زالت تلك العملية لغزا ضخما يصعب هضمه ، لأن حداثة عهد مرسي بقمة هرم الدولة ذاتها وآليات القرار وحساباته في المؤسسة العسكرية ، وخطورة قرار كهذا حتى على الرئيس الذي عمق مقعده في كرسي الرئاسة ، ثم ما ثبت يقينا أن الأجهزة لم تكن تقبله أو تتعاون معه ، كل ذلك يجعل من فهم قدرة مرسي على إطاحة قيادة الجيش بضربة واحدة لغزا كبيرا ، وربما كان فك طلاسم هذا اللغز أحد مداخل فهم تحولات المرحلة بكاملها . عقب إطاحة المشير وعنان ، اختفى عنان من المشهد ، بينما بدا أن المشير طنطاوي يمثل "الأب الروحي" للسيسي ، وتم إنشاء مسجد كبير باسمه من خلال الإدارة الهندسية للقوات المسلحة ، وبعد إطاحة مرسي أصبح "طنطاوي" أحد الوجوه الأساسية الحاضرة في أي احتفال رسمي كبير للدولة أو الجيش يحضره السيسي ، ومن قبله عدلي منصور ، بينما لا يحضر عنان نهائيا ، وبدا أن الجفوة بعيدة بين السيسي وعنان ، وكذلك بين المشير وعنان ، ثم فاجأ عنان الجميع بإعلانه عن نشر مذكراته وأنها تحتوي على أسرار ما جرى منذ إطاحة مبارك وحتى خروجه من الخدمة العسكرية ، وثارت ضجة كبرى ، خاصة بعد نشر مقتطفات منها ، وجرت ضغوط كثيرة لإثناء عنان عن نشر مذكراته ، وتم التلويح بتهديده بالمحاكمة ، ولا يعرف حتى الآن لماذا فكر عنان في أن يصدر مذكراته بهذه السرعة ، وما إذا كان "يثأر" لنفسه من هوان لحق به أو "لعبة" أطاحت به ، ثم انتهى الأمر إلى انصياع عنان لوقف نشر مذكراته . وعندما أعلن السيسي ترشحه لرئاسة الجمهورية أعلن الفريق عنان أيضا أنه سيرشح نفسه للرئاسة ، وهو إعلان أثار ربكة كبيرة في الحياة السياسية وفي الإعلام الرسمي والخاص ، وجرت وساطات كثيرة لثني عنان عن ترشحه ، وقيل أن ترشحه سيحدث انقساما كبيرا حول "مرشح المؤسسة" ، وهذا لغز آخر ، لأن التقديرات وقتها أن "السيسي" مكتسح الترشيحات ، فما الذي يضره أن يترشح شخص بعيد عن المشهد منذ عام ونصف على الأقل وانفصلت صلته بالمؤسسة العسكرية ، وحدثت ضغوط غير معروفة انتهت إلى إعلان عنان تخليه عن الترشح . وعندما اقترب الإعلان عن موعد محدد لإجراء انتخابات البرلمان الجديد ، قبل حوالي شهرين ، أعلن الفريق عنان أنه سيتقدم بأوراق تأسيس حزب سياسي جديد ، يخوض من خلاله الانتخابات ، وهنا طرحت التساؤلات عن أهداف الفريق عنان وطموحاته ، وانتظر الجميع ما الذي سيتم معه في لجنة الأحزاب ، حتى كانت المفاجأة ، وهي أن اللجنة رفضت الموافقة على تأسيس حزب "مصر العروبة الديمقراطي" الذي أسسه الفريق عنان ، لأسباب تبدو فولكلورية جدا ، مثل أن عقد إيجار مقر الحزب غير مسجل ، ولكنها على كل حال شبيهة بالأسباب التي استبعد على أساسها اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الأسبق من سباق الترشح لرئاسة الجمهورية ! لكل ما سبق ، وكل هذه الأبعاد لعلاقة ملتبسة وغامضة بين السيسي وعنان ، تذهب الظنون دائما إلى الأخير في أي تسريبات محرجة للسيسي والنظام الحالي ، على النحو الذي حدث مؤخرا .