تعالوا نحاول حل توابع "اللغز" الذي مثله اعلان الفريق عنان انسحابه من سباق الترشح لرئاسة الجمهورية الذي عقد له مؤتمر صحفي ظهر اليوم ، وبالمناسبة أذكر القارئ بأني سبق ونشرت هذه "المعلومة" في تغريدة على موقع "تويتر" قبل حوالي شهر ونصف تقريبا ونقلتها صحيفة المصريون كما نقلتها مواقع أخرى في حينه ، حيث أكدت يومها أن عنان لن يترشح للرئاسة ، وفق مصادر موثوقة ، انسحاب عنان رسميا يعطي أكثر من إشارة ، خاصة في الوقت الذي لم يعلن فيه المشير السيسي حتى الآن موقفه النهائي ، هل يترشح أن يعتذر هو الآخر ، والمشهد كله يتسم الآن بالغموض الشديد ، وكل الاحتمالات تملك فرصة في التحقق ، والموقف الأخير للفريق عنان يأتي في إطار هذا الغموض أيضا ، والذين تحدثوا عن أن انسحاب الفريق عنان هو مؤشر قوي على توسعة الطريق لتقدم السيسي أراهم متعجلين في التحليل وتقدير الموقف ، لأن الفريق عنان لم يكن منافسا للسيسي أصلا وبأي معيار ، ونزول عنان للانتخابات لا يمثل تهديدا انتخابيا للسيسي ، لا على مستوى الشعبية ولا على مستوى امتلاك أدوات الدولة الفاعلة ، إداريا وأمنيا وإعلاميا ، ولو صح وضع انسحاب عنان في معادلة ، فيمكن القول بأنه انسحب لضمان تمرير مرشح آخر "مجهول" هناك قلق من ضعف قدرته على الحسم من الجولة الأولى ، لأن المرشح العسكري الذي يفشل في حسم الانتخابات من الجولة الأولى سيخسر الإعادة حتما ، وهذا ما سمعته من مرجع قضائي وانتخابي رفيع في لقاء خاص ، بناء على حساب علمي دقيق ، ولذلك يحتاج مرشح المؤسسة العسكرية ، حتى لو كان المشير السيسي إلى حسم الموقعة من الجولة الأولى ، وواضح أن هناك ضغوطا مورست على الفريق عنان من أجل الانسحاب ، وواضح أن هذه الضغوط متصلة بأجهزة رفيعة في الدولة ، والشخصيات التي التقت به صباحا قبل مؤتمره الصحفي معروفة بالصلة المتينة بتلك الأجهزة ، فلماذا تم الضغط على الفريق عنان من أجل الانسحاب ، ولصالح من هذا الانسحاب الاضطراري ، هذا سؤال يحتاج إلى تأمل أبعد من الاستسهال الشائع عن التوسعة لتقدم السيسي ، وفي تقديري أن موقف المشير ما زال غير حاسم ، وأن الحياة السياسية قد تكون على موعد خلال عشرة أيام مع مفاجأة جديدة على نمط مفاجأة الفريق سامي عنان ، ولكنها مزلزلة هذه المرة . بقي أن أشير إلى أن التسريبات ، المقصودة أو غير المقصودة ، للفريق أحمد شفيق أمس ، تؤكد ما سبق وقلته أيضا من أن الدنيا ليست "عمارا" بين شفيق والمجلس العسكري الحالي ، وأن شفيق يخشى النزول إلى مصر ، رغم انتهاء حكم مرسي والإخوان من ثمانية أشهر ، لأنه غير مطمئن إلى أنه سيكون بخير وليس بجوار أبناء مبارك ، والتسريبات التي نشرت ، وهي صحيحة قطعا ، تعطي الانطباع عن عمق المرارة التي يشعر بها الفريق شفيق تجاه القيادة العسكرية الحالية ، فشفيق خرج من "مولد" 30 يونيو بلا حمص ، رغم أنه أحد المنسقين الكبار للعملية بالتعاون مع "الشقيق" الإماراتي ، غير أن الخطير في تصريحات شفيق أنه يعطي الانطباع عن أن المؤسسة العسكرية قررت إنهاء النزاع حول منصب الرئيس بأي شكل وبأي ثمن وبأي طريق ، وشفيق عندما يتكلم بهذه الطريقة ، وهذا الوضوح ، فهو لا يهزي ، وإنما يتكلم عن معلومات مباشرة مع الأطراف الفاعلة في المشهد المصري ، سواء في القاهرة أو أبو ظبي ، غير أن أي محاولة لإخراج انتخابات الرئاسة بهذه الطريقة لن تحل الإشكال الحالي ، وستعقد الأمور أكثر ، ولن تسمح بميلاد شرعية جديدة ، وهو التحدي الذي تعانيه السلطة الحالية حتى الآن ، لأن شرعية محمد مرسي لم تنسخ حتى الآن ، خاصة أمام المجتمع الدولي ، ولن تنسخ إلا إذا كانت هناك انتخابات رئاسية سليمة وشفافة ونزيهة وعادلة ، وهذا ما أصبح محل شك . الاصطفاف الجديد الذي يتشكل في مصر الآن ، ويعيد رسم خريطتها السياسية يعطي الإشارة إلى أن أخطر ما يواجهه مرشح المؤسسة العسكرية ، سواء كان السيسي أو غيره ، أنه سيبدأ عهده من حيث انتهى مبارك ، هذه هي المعضلة ، وهذا هو الخطر الذي يهدد المشروع كله .