أعلن الفريق أحمد شفيق اعتذاره عن الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة كمنافس للسيسي ، وجاء إعلان شفيق مهينا لشخصيته وتاريخه ، فلم يكن أحد يتصور أن يتحول "التحدي" الذي أعلنه الرجل قبل شهر إلى اعتراف بأنه "لا يصلح لقيادة مصر" ، بغض النظر عن كل ما تم تسريبه من أخبار وملفات صوتية لضغوط تعرض لها من جهة أو أخرى في الداخل والخارج ، وأعتقد أن ما حدث طوى صفحة شفيق في الحياة السياسية المصرية بصورة نهائية . شفيق كان المرشح الوحيد ، عمليا ، لمنافسة السيسي ، وكان هو التحدي ، الحقيقي ، للسيسي كمرشح رئاسي ، وكانت هناك قناعة كبيرة في الشارع السياسي المصري ، وحتى في أوساط أنصار السيسي بأن شفيق لو ترشح في انتخابات نزيهة سيكون الأوفر حظا ، لأن الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية والمناخ العام في مصر يعمل لصالحه بدون شك ، وربما لذلك كان انشغال دوائر السيسي الأهم طوال الفترة السابقة بوقف هذا السيناريو بأي شكل ، ومنع شفيق من الترشح ، وهو ما تحقق أخيرا ، غير أن انسحاب شفيق المتأخر وضع السيسي والبلد كلها في ورطة ، لأنه لم تعد هناك من الناحية العملية انتخابات في مصر ، خاصة وقد أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات ستبدأ يوم 20 من الشهر الحالي ، أي بعد حوالي عشرة أيام ، وأنها ستتيح فرصة تسعة أيام أو عشرة أيام فقط لتسلم أوراق المرشحين بصورة كاملة ، تنتهي في 29 من الشهر نفسه ليغلق باب الترشح بعدها ، إضافة إلى أنها حددت شهرا واحدا للدعاية وتقديم المرشح نفسه للشعب المصري من الاسكندرية لأسوان ومن العريش لمطروح ، وهي فترات زمنية لا تسمح بإجراء انتخابات حقيقية من الناحية العملية لمنصب مثل رئاسة الجمهورية . ليست هناك مشكلة في تمكين السيسي من رئاسة الجمهورية في الفترة المقبلة ، ولكن المشكلة هي في "إخراج" المشهد بشكل يمنحه الشرعية أمام المجتمع الدولي ، ويمنع تسويق المعارضة وخاصة المؤيدة للإخوان بأن الحكم في مصر يعتمد على سيطرة القوة والسلاح وليس القبول الديمقراطي ، وشرخ الشرعية أضر بالسيسي كثيرا طوال السنوات الماضية ووضعه تحت ضغط دائم وعرض الدولة نفسها لنزيف سياسي واقتصادي على المستوى الإقليمي والدولي ، وبالتالي فالتحدي الآن أمام السيسي لا يقل خطورة عن تحدي شفيق لو كان قد قرر الترشح ، فحتى الآن لا يوجد مرشح حقيقي ، مع كامل الاحترام للأستاذ خالد علي ، والذي يمثل إعلان نيته الترشح إثبات موقف رافض وليس ترشحا حقيقيا ، ولا أعتقد أنه سينجح في الحصور على عشرات آلاف التوكيلات التي تتيح له الترشح بصورة قانونية ، حتى لو امتدت فرصة قبول الأوراق شهرا كاملا وليس عشرة أيام فقط ، كما لا أتصور أن الأجهزة ستعاونه في الإجراءات لأنه من النوع الذي يحمل المنافسة والمعارضة على محمل الجد ، وليس مقبولا أي نسبة مخاطرة في الظرف الحالي ، وخالد علي شخصية وافرة الاحترام ، ولكنه مشروع للمستقبل وليس للأوقات الحالية . الآن أمام الأجهزة ودوائر السيسي مطلب عاجل بالبحث عن مرشح ، حتى لو دفعوا له ، ولن تكون هناك مشكلة في أن يستخرجوا له التوكيلات اللازمة للترشح أو أن يطلبوا من رجالهم في البرلمان توفير النصاب المطلوب لترشيحه ، من أجل ترتيب الإجراءات القانونية ، لكن المشكلة هي قبول شخصية محترمة لمثل هذا "الدور" ، لأن الدفع بأحد الشخصيات المحسوبة على النظام أو السيسي نفسه سيكون مدعاة للسخرية ، وستعيد إنتاج نموذج "الحاج أحمد الصباحي" ، الذي ترشح ضد مبارك وأعطى صوته شخصيا في الانتخابات لمبارك نفسه ، وأعتقد أن هناك سباقا محموما لدى الأجهزة يجري حاليا من أجل العثور على هذا المرشح ، وهي حالة غير مسبوقة في مصر ، ومهينة للدولة بدون شك ، ولكنها أصبحت ضرورة قصوة الآن لإنقاذ الانتخابات . هي ورطة ، تعيد التذكير بخطورة تفريغ الدولة من معناها ، وتجفيف الحياة السياسية ، وتحويل أجهزتها ومؤسساتها إلى عرائس خشبية تتحرك من أصابع يد واحدة أو أياد محدودة ، فإذا غابت تلك اليد أو اضطربت انهار كل شيء . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1