لا أعرف كيف مر هذا الكلام الخطير الذي قاله أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية ووزير الخارجية المصرية الأسبق مرور الكرام ، رغم أنه يفتح علينا أبوابا من الشكوك والوساوس لا يمكن تجاهلها ، وأقصد من ذلك حديثه عن وجود "عرض" إسرائيلي سابق على مصر بأن تتخلى عن جزء من سيناء ليكون "وطنا" بديلا للفلسطينيين على أن تعوض مصر بقطعة أرض أخرى . أبو الغيط تحدث بهذا الكلام الخطير أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه ، وفي احتفالية القوات المسلحة في ندوتها التي عقدت بمناسبة عيد تحرير سيناء ، وقال أمام الجميع أن (هناك بعض الأوهام التي صدرت ابتداءً من عام 2003 وصولا إلى 2006، وحضرت هذا وأنا وزير للخارجية (2004- 2011) يقولون اجعلونا (لم يسم المتحدثين) نتبادل معكم أراضٍ). أبو الغيط لم يفصل أكثر عن الجهة التي عرضت هذه الفكرة ، ولا عن الأراضي التي يقصدها ، لكنه في كلامه ألمح إلى أنها في "سيناء" عندما قال معقبا على الكلام الخطير (سوف تبقى سيناء أرضا مصرية لكل أبناء مصر) ، فالمفهوم هنا أنه يقصد أن الأرض المطلوبة في العرض المشار إليه هي سيناء . وزير خارجية مصر الأسبق قال في الكلمة ذاتها أن هذا العرض تكرر أكثر من مرة على مدار أربع سنوات لتبادل الأراضي مع مصر ، وهو كلام غريب جدا ، لأن تكرار العرض يعني أن بابه لم يغلق من جانب مصر من أول مرة ، لأنه لو أغلق بصرامة وحسم من البداية فلن يكرره الطرف الآخر ، أما أن يتكرر مرات عديدة على مدى أربع سنوات ، كما يقول أبو الغيط ، فهذا يعني أن "الباب كان مواربا" أمام العرض ولم يرفض بشكل حاسم ونهائي من البداية ، حتى وإن قال أبو الغيط أنهم كانوا يستقبلون هذا العرض بكثير من السخرية ، فالمشكلة هنا ليست في السخرية من عدمها ، وإنما في غياب الحسم اللازم ، لأن مطلبا مثل هذا كان يستوجب التوبيخ والإهانة لمن عرضه ، لأنه ليس مجالا للتهريج ولا السخرية . أهمية كلام وزير خارجية مصر الأسبق ، وآخر وزير خارجية في عهد مبارك ، أن فكرة مبادلة أراضي من سيناء ليست محض خيال ، وإنما فكرة مطروحة منذ وقت طويل ، وأنها تكررت منذ أيام مبارك ، وهو ما يجعل من المخاوف الحالية من الكلام المتناثر عن الفكرة نفسها أمرا مشروعا وجديرا بالاحترام ، خاصة وأن الطرف الإسرائيلي يربط مثل هذه الأفكار بما يسمى "صفقة القرن" ، بل إن وزيرا إسرائيليا حاليا قال هذا الكلام في تصريحات على الهواء مباشرة بالصوت والصورة في تليفزيون العدو ، وقال أن حكومته (تعتبر سيناء أفضل مكان لدولة فلسطينية) ، وهو الكلام الذي رد عليه وزير الخارجية الحالي سامح شكري في حينه بإعلانه رفض الفكرة كما أكد شكري على أن الحديث عن "صفقة القرن" لا يتضمن تنازلا عن أراض مصرية . محمود عباس ، رئيس السلطة الفلسطينية ، أعلن هذا الأسبوع أن الصفقة كانت مطروحة حتى بعد رحيل مبارك ، وقال أن السلطة في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي عرضت على الفلسطينيين الفكرة نفسها ، ولكنه رفض ، وهو كلام آخر بالغ الخطورة ، ويستدعي التحقيق بذاته وهو أخطر من كل القضايا التي يحاكم بسببها مرسي ، وإن كنت أشك في مصداقية محمود عباس ، خاصة وأنه يخوض معركة كسر عظم مع حركة حماس ، وهي المرتبطة تاريخيا بالإخوان ، ويمكن فهم تلك التصريحات كجزء من حملته على حماس نفسها ، لكن أيا ما كانت الأمور فإن تصريحه يستدعي التحقيق ، لأنه اتهام علني لرئيس مصري بأنه عرض التنازل عن سيناء لصالح العدو . في كل الأحوال ، فإن تكرار هذا الكلام عن تلك النقطة تحديدا أعتقد أنه يستدعي من رئاسة الجمهورية بيانا واضحا وحاسما وقاطعا وشافيا إلى الأمة يؤكد فيه الرفض النهائي والتام لمثل هذه الأفكار وأن مصر لا تقبل حتى مجرد أن تطرح على أي طاولة مفاوضات في أي وقت ، فهل يمكننا توقع ظهور مثل هذا البيان المهم . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1