حين تقرأ هذه السطور يكون قد مر أكثر من خُمس برنامج الرئيس للمائة يوم دون أية نتيجة ملموسة، أو حتى بادرة تحسن، بل على العكس بدا المشهد وكأنه عقبات على الطريق فى سياق إفشال المشهد السياسى.. لقد بدأ البعض بذل جهد فى هذا الموضوع من باب حسن النوايا، التى تُجَمِّل رتوش الصورة للإعلام ليس أكثر، فلم نسمع عن مجموعات عمل لحل البنود الخمسة فى برنامج المائة يوم.. لم نسمع من النخبة آليات لحل تلك المشاكل، وتم طرح رؤى لآليات تعاضد الجهود الشعبية والرسمية يمكنها المساهمة فى حل بعض تلك المشاكل وللأسف نرى الأمور تسير فى نفس المسار السابق، الذى تم تصميمه بآلياته الحالية ليفرز الفساد الذى نحياه. لقد استفدنا خلال الشهور الماضية التطاول على كل مفاصل الدولة وتغافلنا عن آليات الإصلاح، ورأينا كيف تم وأد بوادر للإصلاح على قلتها وكأنها خطيئة! يبدو المشهد على أفضل الفروض، وكأن الرئيس يصفق بيد واحدة ولا أدرى كيف يرشح حزب سياسى رئيس يدعمه قولاً لا فعلاً رغم وجود كوادر حزبية من ذوى الكفاءات توارت عن المشهد، وكأن الثرثرة هى معيار العمل.. لا يمكننى تخيل نضوب مخزون الوطن من حزب الرئيس ومن خارجه من كفاءات تعرف واجب الوقت إلا من خلال نضوب منظومة الحكم من برنامج محدد الأركان! إن مرور أكثر من عشرين يوماً فى مسيرة المائة يوم دون بارقة أمل لأمر يحتاج لتفسير، حيث إنه من الطبيعى أن نواجه العقبات المصطنعة بل وما هو أشرس منها. وأتساءل أليس من المحتمل أن يكون تأخر وضع رؤية متكاملة لمسيرة الوطن قد سببه تسارع الأحداث والرغبة فى التجويد! ورغم ذلك فإننا نقبل منك الاستعانة بصديق أو أصدقاء لهم رؤية صناعية زراعية قيمية تنموية لأننا باختصار لا نقبل أن تفشل! يمثل المرور قضية محدودة رغم تأثيرها الكبير على عدة قطاعات رغم تشابك أطرافها مما يجعلها قضية حالة جيدة لاختبار آليات عديدة لتحسين أداء منظومة الحكم ككل بجناحيها الرسمى والشعبى.. ولنتساءل هل وضعنا فى تصميمنا لمنظومة الحل أننا فى إجازة دراسية؟ هل تناسينا الدور الرائد للجامعات فى التصدى للمطالب الفئوية؟! هل تناسينا أن الواجب يسبق الحق فى منظومة الحكم الرشيد؟ وهل وضعنا الجميع على مضمار الوطن لننطلق بهم جميعاً؟ هل يمكن لنفس رموز النظام السابق أن يقوموا بحل مشكلة مزمنة كمشكلة المرور، كان يمكن حلها بالقوانين الحالية؟! إن المتابع للمشهد المرورى سوف لا يغفل عن الجانب المجتمعى فى الموضوع وكيف يمكن حل الأمر من خلال التحفيز والتنافس بين قطاعات المجتمع المختلفة. ودعونا نتساءل أحقاً نريد قدوة حازمة فى ربوع الوطن وفى قياداته، وأين هى، وكيف نصل إليهم؟ هل يمكن من خلال هذه الحالة والحالات الأخرى أن نُظهر قادة مجتمعيين؟ ولنتساءل أنحن بصدد بناء منظومة للوطن يمكن من خلال مختلف آلياتها أن تُظهر قادة فى مختلف فروع المجتمع؟ فى الوقت الذى يمثل المرور دراسة حالة جيدة لمنظومة رقابة شعبية تلتحم مع منظومة الرقابة الرسمية لصالح تنمية الوطن فإن التقاعس عن إيجاد حلول عملية لحالة الوطن غير النوايا الحسنة، سوف لا يفضى إلا إلى عودة النظام القديم. كثر صياح نواب حزب الرئيس عن فشل الحكومة الحالية كونها سبباً للتردى الحادث فى وجه الوطن، وحينما تقلد الرئيس الأمر بقيت تلك الحكومة، وتم تكليفها بجزء من برنامج المائة يوم ولم تتشكل الحكومة ومنظومة الرئاسة للآن، وأتساءل كغيرى عن سبب ذلك، وعمن التخاذل عن القبول بمسئولية الوطن، كما يشيع البعض من رفض العديدين قبول المسئولية لتوقعهم إعادة انتخابات الرئاسة خلال شهور قليلة! وأتساءل أليس للوطن استحقاقات، وأين هى؟ أليست الرئاسة ليست منصباً شرفياً أم أن المستهدف أن تتحول الدولة للنظام البرلمانى، الذى يعارضه البعض أم أننا نسير فى طريق مسدود يقضى على أمل التنمية لمدة مائة عام؛ وليس مائة يوم؛ على الأقل؟! أظن أن المشهد السياسى الذى يراه رجل الشارع غير الذى تراه منظومة الحكم الحالية، حيث إن ما نراه صادماً، فالبطء فى البداية من قائد بل من رئيس غير ذات معنى.. إنها بداية غير مطمئنة لأى مناخ سياسى. السيد الرئيس لن يفيدك تجميل صورتك فى الخارج لأن الخارج يعرف تكبيل قدراتك، كما لا يكفى أن تظهر ببساطة المواطن العادى دون إنجاز لأن تلك الصورة ستكون هى ذاتها معول هدمك لتعيد من يتربص بك لمكانته القديمة. لا يمكن بناء الدولة على حسن النوايا فمنطق العلم يقتضى وضع اللوائح والقوانين والتدرج فى الأمور من الأهم للمهم من خلال رؤية يبدو أن من يؤمن بها لا يملكون الرغبة فى فعل شىء! خلاصة الكلام أن المتابع للتداخل السياسى القضائى يمكنه أن يُبصر كم نحتاج إلى فك اشتباك السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية! الأمر جد خطير لأننا لا نتحرك إلا توافقياً، بينما لا يمكن لمسيرة الوطن إلا أن تكون قطعية حديةً فى الفعل والزمن! أ.د. محمد يونس الحملاوى أستاذ هندسة الحاسبات، كلية الهندسة، جامعة الأزهر [email protected]