الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    المحكمة الإدارية العليا تؤيد قرار استبعاد هيثم الحريري البرلماني السابق من سباق انتخابات مجلس النواب 2025    وزارة الإسكان تختار المهندس طارق الجمال لعضوية المجلس المصري للبناء الأخضر والمدن المستدامة    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    أونروا: دخول المساعدات إلى غزة ارتفع إلى 250 شاحنة يوميًا.. والاحتياجات ما زالت كبيرة    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة العودة بين الزمالك وديكيداها    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    حبس سائق 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة ق.تل طليقته في السادات بالمنوفية    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    العاصمة الإيطالية روما تستقبل معرض "كنوز الفراعنة"    وزير الثقافة: نساء أكتوبر المجيدات جسّدن أسمى رسائل الانتماء والعطاء    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    الصحة تبحث مع منظمة الصحة العالمية تنسيق الجهود لتقديم خدمات صحية للمرضى الفلسطينيين    باعتراف صحيفة صهيونية..جيش الاحتلال فشل فى تحرير الأسرى بالقوة العسكرية    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    تعرف على الضوابط الإعلامية لتغطية انتخابات مجلس النواب 2025    الألم وتيبس المفاصل والإحمرار.. أهم أعراض التهاب المفاصل الروماتويدى    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    لقاء حول نظام البكالوريا الجديد خلال زيارة مدير الرقابة والتفتيش ب«التعليم» لمدارس بورسعيد    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في الشرقية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    البيطريين: إجراء تعديلات شاملة لقانون النقابة وطرحها لحوار مجتمعي    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    طريقة عمل الأرز البسمتي بالخضار والفراخ، وجبة متكاملة سريعة التحضير    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    الزمالك يجهز شكوى لتنظيم الإعلام ضد نجم الأهلي السابق    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    محمد بن سلمان يعزى ولى عهد الكويت فى وفاة الشيخ على الأحمد الجابر الصباح    تامر حسين يوضح حقيقة خلافه مع محمد فؤاد بعد تسريب أغنيته    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    تشميع 8 مقاهى وكافيهات مخالفة ومتعدية على حرم الطريق العام بالمريوطية فيصل    الأردن يرحب برأي محكمة العدل الدولية ويطالب إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    سعر الذهب اليوم الخميس 23-10-2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين تواجه غطرسة القوة وسياسات الظلم والتهجير
نشر في المصريون يوم 15 - 03 - 2018


الطيب:
- عالمنا المعاصر يَمُرُّ بأزماتٍ مُتعدِّدة خانقة أثمرت ثَمَراتٍ مُرَّةً في إذكاء النِّزاعات والاستقطابات الدوليَّة والصِّراع على النفوذ
- نحن مع استدعاء الأديان للنزول إلى واقع النَّاس وضبط تصرفاتهم بما تحمله من رصيد أخلاقي هائل قادر على إقرار العدل والمساواة
- غياب «الدِّين الإلهيِّ» وتوظيفه في أغراض هابطة هو أصل جرثومة الحروب واشتعالها في القرن السابق
- الأخلاق التي تتخذ من الأديان مرجعية لها هي الأخلاق المرشحة لمقاومة الأخلاق المادية التي تغلَّبت على الدين وتحكمت فيه وعبثت به
قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، سوريا التي "فيها انكشف الأمر عن صراع إن مذهبين عالميين من مذاهب السياسة" أضحت سوقًا لتصدير السلاح وسفك الدماء، بينما تواجه فلسطين "غطرسة القوة وصوت المستبد وسياسات الإبادة والتهجير، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن التنظيمات الإرهابية المسلحة "وُلدت فجأة، دون مقدمات ولا إرهاصات طبيعة أو منطقية كطفل له أنياب ولحى وشوارب، ولازلنا نبحث له عن أب".
وأضاف في كلمة حول "سؤال القيم الدينية وأزمة المجتمعات المعاصرة" في الجامعة الكاثوليكية بلشبونة، أن "الهدف من هذا النشاط هو مدُّ جسور التعارف الحضاري بين الإنسان وأخيه الإنسان، مهما اتَّسعت بينهما فوارقُ الأجناس واختلاف اللُّغات والعقائد والأديان، وخصوصياتُ الثقافات والعادات والتقاليد.. وذلك عبر التأكيد على المشتَرَكات الدِّينيَّة –وما أكثرها!- بين المؤمنين بالأديانِ السماويَّة، وحتى بين غير المؤمنين مِمَّن يحترمون الأديان ويَعرفون لها خطرها في ضبط مسيرة العالَم المعاصر، وإعادته إلى صوابه، بعد أن فقد "الاتجاه الصحيح" وضاعت الطريق من تحت قدميه، وأوشك أن يشرف على ما يُشْبِه "الانتحار الأخلاقي"، والغرق في فوضى عامة رُبَّما لم يَعرفها تاريخ الإنسانيَّة من قَبل".
وأوضح أن "عالمنا المعاصر -اليوم- يَمُرُّ بأزماتٍ مُتعدِّدة خانقة، في مقدمتها: الأزمة الاقتصادية التي نشرت الفقر والجوع وبطالة الشباب والتكبيلَ بالديون، واتِّساع الهوَّة بين الأغنياء والفُقَراء، وكذلك أزمة البيئة، وأزمة السياسات الدولية المعاصرة، وما تثمره من ثَمَراتٍ مُرَّةً في إذكاء النِّزاعات والاستقطابات الدوليَّة والصِّراع على النفوذ، "ونشر الفوضى وانهيار الأُسرة وتهميش المرأة"، وغير ذلك من الأزمات والعِلَل والأمراض الخلقية والاجتماعية والإنسانية التي تُصيب إنسان القرن الواحد والعشرين باليأس والإحباط، وتُفسِد عليه مُتعةَ الحياة، وهدوء البال وراحة الضمير".
وتابع شيخ الأزهر: "وقد دفعتْ هذه الأزمات حُكماء الغَرب من المفكرين ورجال الدِّين إلى التوقُّف وتأمُّل هذه النُّذُر التي تتجمَّع اليوم في سماءِ العالَم كما تتجمَّع الغيوم السَّوداء المُنذرة بالدَّمَارِ والغَرَق، وقد أعادوا النَّظَر، وعقدوا المؤتمرات الدوليَّة، وكان أبرزها المؤتمر الثاني لأديان العالَم، الذي دعا فيه مُمَثِّلوا الأديان المختلفة إلى ما سُمِّيَ بضَرُورةِ "أخلاق عالميَّة" لبناءِ نظامٍ عالَميٍّ جديد يُخرجنا من هذه الأزمة ويَقُومُ على إرشاداتٍ ثابتة هي: "الالتزامُ بثقافةٍ خالية مِن العُنف وباحترامِ الكائنات الحيَّة كافَّة، وبثقافة التضامُن وبنظامٍ اقتصاديٍّ عادل، والالتِزام بثقافةِ التَّسَامُح، وثقافَة المُسَاواة في الحقُوقِ والشَّراكةِ بين الرَّجُل والمرأة".
وأشار إلى أن "هذا البيان يحمد له أنَّه نبَّه إلى الدور الهام الذي يُمْكِن أنْ يُؤديه المُتدينون في بناءِ النَّظام العالميِّ الجديد من خلالِ الدَّعْوة إلى إقامة سلام دائم أوَّلًا، بين المتدينين أنفسهم، قبل أنْ يُبَشِّرُوا به بين النَّاس، وذلك حتَّى لا تنطبق عليهم الحِكْمَة القائِلة: "فاقدُ الشَّيءِ لا يُعطيه"، وانتهى البيان إلى أنه لا سلام للعالَم بدونِ سلام بين أديان يحترم بعضها بعضا، ولا سلام بين الأدْيَان بدون حوار بينها، ولا بقاء للإنسانيَّة بدون أخلاق عالميَّة".
وأوضح الطيب أنه "يتفق تمام الاتفاق مع هذه القضايا، إنْ كان المقصود منها استدعاء الأديان للنزول إلى واقع النَّاس وضبط تصرفاتهم بما تحمله من رصيد أخلاقي هائل قادر على إقرار العدل والمساواة، وقبل ذلك: محورية "السلام" وضرورته للنَّاس ضرورة الطَّعام والشَّراب، أمَّا إنْ كان المقصود من ضرورة صنع السلام أوَّلًا بين الأديان، هو الإشارة إلى المعنى السلبي لهذه العبارة".
واستدرك: أعني: ضرورة وَقْفِ الحُرُوب التي تُشعلها الأديان وتحملها مسؤولية سفك الدماء، بما يؤكد المقولة الشائعة التي تقول: "إنَّ سبب الحروب هو الدِّين»، فإنِّي أعتقد أنَّ المتدينين على اختلاف أديانهم لا يُسلِّمون بذلك ولا يعتقدونه.. بل يعتقدون عكسه، وهو: أنَّ غياب "الدِّين الإلهيِّ" ونبذه وتهميشه وتوظيفه في أغراض هابطة، والسُّخْرية من الإيمانِ بالله والكُفر به والتحلُّل من ضوابط الخُلُق الديني هو أصل جرثومة الحروب، واشتعالها في القرن السابق، بل في مطلع القرن الواحد والعشرين: قرن العِلْم والتقدُّم، وقرن حُقُوق الإنسان، ومواثيق السَّلام الدوليَّة".
مع ذلك، قال: "نحنُ لا نُنْكِر أنَّ حروبًا بَشِعة ظَلَّت مُشْتعِلَة عقودًا سُخِّر فيها الدِّين ووظِّف لإضفاء الشرعيَّة على نيرانها، لكن كان "الدِّين" هو أوَّل ضحايا هذه الحروب، وأكبر الخاسرين في أسواقها".
وأبدى الطيب دهشته مِن أنْ تَستقرَّ مَقُولَةُ: "الدِّينُ هو سَبَب الحُرُوب" في أذهانِ شباب اليوم، بل في أذهان الكهول والشيوخ، وتَحملهم على الاعتقاد بأنَّ الإنسانيَّةَ لا سبيل أمامها لكي تنعم بالسلام وبالعيش المشترك إلَّا استبعاد الدِّين من مراكز التوجيه في المجتمع وتحويلَه إلى شأنٍ فرديٍّ خاصٍّ لا يتجاوز قلب المؤمن به إلى حيث التأثير في سلوك المجتمعات، صَغُرِ هذا التَّأثير أو كَبُر، وقد شجَّع هذا الاعتقاد على فتح أبواب الإلحاد أمام شبابنا على مصاريعها، وفقد معه إنسان هذا العصر أعزَّ ما يمتلكه باعتباره كائنًا "أخلاقيًّا" في أصل فطرته وطبيعته.
وشدد على أن "الحقيقة العلمية تقرِّر أنَّ الظاهرة التي لها أكثر من سبب، مِن الخطأ تفسيرُها بسببٍ واحدٍ من أسبابها".
وبين أن "بدهيات البَحْث التَّاريخي الماضي والمعاصِر تقول إنَّ "الدِّين" بمُفردِه لا يَكفي في تفسيرِ اندِلاع الحروب، وأنَّ أسبابها مُتعَدِّدة ومُتشابِكة، تتوزَّع ما بين أسباب نفسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة، فهناك من الأسباب الأخرى غير الصِّراع الديني، الصراع على: حُبِّ السُّلطة وإرادة القُوَّة، وهُناك الحرب التي يفرضها واجبُ دَفْعِ المُعتَدين على الأوطانِ، وعلى الثقافاتِ والخصُوصيَّاتِ، وهُناك الحرب التي تدفع إليها الرَّغبات الجارِفة في الاستيلاءِ على مَوارِد الآخرين، وحُبُّ السيطَرَة وإرادة الهيْمَنَة. وتجارةُ السِّلاح التي يفوق عائدها الاقتصادي دخل أي استثمار آخر، ودع عنك ما يتطلَّبه تسويق هذه التجارة من سياساتٍ موازية تَعمل على خَلْق بُؤر التَّوَتُّر بين الآمنين، وقد يَظُنُّ البَعْض أنَّ هذا الذي أتلوه على مسامِعكُم هو –في أفضلِ أحواله-ضَرْبٌ من التَّغنِّي بالأديانِ سَمِعناه كثيرًا، ورغم ذلك تَجْري بنا حياتنا كما نُحِب ونَشتهي دون حاجةٍ إلى ضوابط خُلُقية وعقائد إيمانية وما إليهما من الماورائيَّات والغَيبِيَّات".
غير أنه رأى أن "هذا الظَّنُّ، وأشباهه، ليس في أفضل أحواله إلَّا تجاهُلًا لحقيقةِ الإنسانيَّة، وقُصُورًا في فَهْمها، وعَجْزًا صارخًا عن تحمُّل تبعاتها ومسؤوليَّاتها، وأوَّلها: الشُّعور بالآخَر والدفاع عن حقوقه كاملة، وفي مقدِّمتها: حق الحياة والعيش في سلامٍ، وهذا القُصُور هو –نفسه - بُرهان أهمية "الدِّين" وحاجة الإنسانية إليه، فهو القوة الوحيدة التي تحمي المؤمن من أنْ يَقعَ فريسة سهلة للنوازع الفرديَّة وطُغيانها، أو يتمحور على ذاته الفردية حتى لو جاءت على حساب أشلاء الآخَرين، وأزعُم أنَّ تحمل التبعية اتجاه الآخر، هو ميزان التفاضل ومعيار التقدُّم الصَّحيح للأفراد كما للدول والشُّعوب سواء بسواء".
وأكد الطيب أن "الأخلاق التي تتخذ من الأديان، مرجعية لها وضابطًا لأصولها وفروعها هي الأخلاق المرشحة لمقاومة الأخلاق المادية التي تغلَّبت على الدين وتحكمت فيه وعبثت به، وأن إطلاق العلم والتقدم والحرية والحداثة والاستهلاك عادت بالإنسان إلى ما يشبه عصر الغاب، وقد مضى على هذه الأخلاق، الآن أكثر من قرنين من الزمان بعثت فيها –ولاتزال تبعث- سلسلة من الحروب التي ضاع فيها آلاف الآلاف من الأرواح".
واستدرك الطيب قائلاً: "وأنا لا أتحدث هنا عن الحربين العالميتين أو غيرهما من حروب القرن الماضي في أوروبا وغيرها، ولكني أتحدث عن الحروب العبثية التي اندلعت حديثًا في بلادنا، بل أتحدث عن دولة عندنا دُمِّرت بأكملها في ساعات معدودة ثم تركت خرابًا إلى يوم الناس هذا، أتحدث عن حرب العراق، وما خلفته وراءها من مآس وآلام وأحزان لا تنتهي.. أتحدث عن سوريا التي فيها انكشف الأمر عن صراع مذهبين عالميين من مذاهب السياسة، وجدا في هذا الأرض سوقًا لتصدير السلاح وسفك الدماء".
وأردف: "أتحدث عن مقدساتي ومقدساتكم في فلسطين وما تواجهه اليوم من غطرسة القوة وصوت المستبد وسياسات الإبادة والتهجير، وأتحدث عن مأساة اليمن وليبيا وغيرهما، أتحدث عن التنظيمات الإرهابية المسلحة التي وُلدت فجأة، دون مقدمات ولا إرهاصات طبيعة أو منطقية.. ولدت كطفل له أنياب ولحى وشوارب، ولازلنا نبحث له عن أب أم أنجبته بهذه القوة الخارقة، ولا يزال البحث جاريا حتى الآن.. هذا الإرهاب الذي اختطف المنطقة على مرأى ومسمع من عقلاء الشرق والغرب، وأحالها إلى بركة دماء، ومرتع للفقر والمرض وساحة تجارب لتطورات الأسلحة الفتَّاكة".
وأشار شيخ الأزهر إلى أن "كل هذه المآسي البشعة التي تتعذب بها شعوب الشرق الأوسط وراءها سبب أساس رئيس هو تطور الإنسان الغربي وامتلاكه للقوة في ظل حداثة انطلقت من القطيعة مع الدين قطيعة حادَّة ثم أدارت ظهرها لتراث إنساني يختزن الكثير من كنوز المعرفة الصحيحة والأخلاق المؤيدة بالوحي الإلهي، وفي هجير هذه الحداثة الجديدة فقد الإنسان هويته الحقيقية وتبدَّلت ماهيته، بل مُسخت من كونه "كائنًا عاقلًا" إلى كونه كائنًا ماديًّا اقتصاديًّا، ليس له قلب يخفق بالألم لشقاء الآخر وتعاسته، بقدر ما له قلب يعلو ويهبط في سوق الصناعة والتجارة على رقصات العرض والطلب، وصَفْقِ الرواج والكساد".
ودعا شيخ الأزهر إلى "البدء وعلى هَدْيٍ من أضواء الوحي والنبوة، إلى إطفاء نار الحروب والدعوة إلى سلام عالمي، مؤسَّس على أخلاق الدين وتعاليمه، يوقف شلالات الدماء التي تتدفق دون مبرر أخلاقي أو حضاري من سفك نقطة دم واحدة في هذا المشهد العبثي الذي اختلط فيه الموت بالخراب، واليتم والترمل، وفقد العائل، والنزوح من الأوطان".
وأردف: "ونحن أبناء الأديان الإلهية لنا الحق –كل الحق من دعوة الناس بالحسنى وبالقدوة الصالحة، وبالتي هي أحسن إلى طريق الحق والرحمة والمساواة بين الناس، والدعوة إلى ملتقى عالمي متخصص لقادة الأديان على غرار "برلمان أديان العالم" الذي عقد عام: 1993م في شيكاغو، وأن نبني على ما سبقنا إليه من توصيات".
وتابع: "أتمنى أن تتضح من هذا الملتقى حقيقتان مهمتان نراهما من أهم ضوابط لحوار الأديان بين الشرق والغرب:الحقيقة الأولى: إعلان أنه لا حوار في العقائد؛ لأن حوار العقائد بفضي إلى صراع بغيض، هذا فضلا عما يثيره حوار من هذا النوع من ثقافة الكراهية والأحقاد ونسف أخوة الإيمان بالله من الجذور.الحقيقة الثانية: ليس من الحكمة في شيء أن نفَسِّر قابليّة الأديان لإشعال الحروب، بأن المؤمنين بكلِّ دِين يزعمون أن دينهم يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن غيرهم على خطأ مطلق، ممَّا حمل كثيرٌ من اللَّاهوتيين أنفسهم على البحث عن حلٍّ لما أسموه : "معضلة الأديان"، وكان الحل –في نظرهم- هو اعتقاد نِسبيَّة الحقيقة بين الأديان، وأرى أن هذا الحل يضع مسألة "الإيمان الديني" في مهب الريح؛ لأن "الإيمان" الصحيح هو اعتقادٌ يجب أن يرقى إلى رُتبة العلم التي هي أعلى مراتب اليقين، وإلَّا كان هذا الإيمان قابلا للشك، فلا يكون إيمانا حقيقيا، ولو فُتِحَ باب "النِّسبيَّة" في الدِّين، ومشروعيةُ ورودِ الشَّكِّ في أصول هذا الدين أو ذاك، وأن دِينا آخر يمتلك الحقيقةَ المطلقةَ أيضًا، رغم تنافي العقيدتين – أقول: لو فُتِح هذا الباب أمام المؤمنين بالأديان؛ فإن عليهم أن يختاروا بين أمرين: 1-إما الشك في دينهم، وحينئذ لا ينطبق عليهم وصفُ الإيمان بهذا الدين.2- أو يقبلوا ورودَ الخطأ والصواب على حقيقة واحدة بحيث تكون مطلقة ونسبية في آن واحد، وهذا من المستحيلات التي لا يمكن تصوُّرُها. فلابد، والأمر كذلك، من أن يعتقد كل مؤمن حقيقي بدين بأن دينه هو الحقيقة المطلقة التي لا حقيقة سواها".
واختتم شيخ الأزهر قائلاً: إن "الحل الصحيح لما يسمى بمعضلة الأديان، يكمن في ضرورة التفرقة بين معنى الاعتراف ومعنى الاحترام، فليس معنى أن أحترم دين الآخر أني أؤمن بهذا الدين، ولكن أؤمن بحرية الآخر بأن يعتقد دينا مخالفا ومناقضا لديني، وأن أسلم له اعترافه بدينه، لكن لا يلزمني بالاعتراف بما يعتقد، وهنا نفهم آيات القرآن الكريم التي تقول {لا إكراه في الدين} والتي تقول: {من شاء فليؤن ومن شاء فليكفر} بل وإن آيات الكتب المقدسة في هذا الأمر تتقف اتفاقا واضحا، وما ورد في القرآن في هذا الشأن".
وشدد على أن "الأمر يعود إلى ضرورة التسامح والاحترام المتبادل بين العقائد وبين الأديان، والإسلام يفرض على الدولة المسلمة أن تمكن الآخر المختلف في الدين من ممارسة شعائر دينه، وأن توفر له دار العبادة التي يتعبد فيها، والدولة ملزمة بكل الضمانات التي تمكنه من ممارسة هذا الحق الذي لا يرى حقا سواه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.