رغم كل المخاطر والتحذيرات ، تواصل حكومة المهندس شريف اسماعيل طرح المزيد من أذونات وسندات الخزانة لمواجهة ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة. ورغم قيام مجموعة كبيرة من الأعضاء فى مجلس النواب بتحذير الحكومة من الإستمرار فى هذا الأمر ، إلا أنها لا تستمع لهذه الأصوات وتتعامل معها على طريقة " ودن من طين وودن من عجين " . فى هذا السياق أتوقف أمام التصريحات التى أدلت بها الخبيرة المصرفية سلوى العنتري، وأكدت فيها أنه بالنسبة للسندات الحكومية فهي لا تحتوى على أي مخاطر، وذلك بسبب قدرة الحكومة على رفع الضرائب أو طبع عملات إضافية من أجل سدادها عند تاريخ الاستحقاق. وهنا نسأل :هل برفع الضرائب يمكن أن تعالج الحكومة الكوارث التى تحاصر الدولة والمواطن بسبب سياساتها الغبية والعشوائية ؟ والى متى تستمر الإستهانة بالمواطن ومواصلة سياسات رفع الضرائب تحت ستار " الإصلاح الإقتصادى " المزعوم ؟ وهل الحكومة لم يكفها أنها حققت عائداً من الضرائب وصل الى 462 مليار جنيه فى النصف الأول من العام المالى الحالى . وهنا نشير الى تأكيدات الخبراء على أن طرح المزيد من السندات سواء دولية أو محلية يساهم أيضا في تفاقم تكلفة الدين الداخلى والخارجى، وليس تمويل الفجوة التمويلية والتي ستصل إلى نحو 35 مليار دولار خلال 3 سنوات المقبلة، وذلك في ضوء توقعات صندوق النقد الدولي .
من ناحية آخرى أتوقف أمام ما كشفته دراسة مهمة للغاية صدرت مؤخراً بعنوان " إصدار أذون الخزانة المصرية لتمويل عجز الموازنة.. المخاطر والمسارات البديلة " والتى أعدتها الباحثة هدى سعيد ، و كشفت فى جانب منها عن المخاطر الناجمة عن الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة ، وكشفت أن هذه المخاطر تتمثل فى : • إن الاستثمارات الأجنبية بصفة عامة وقصيرة الأجل منها بصفة خاصة شديدة الحساسية لأي متغيرات خارجية أو داخلية قد تطرأ على الساحتين العالمية والمحلية وسريعة رد الفعل بالانسحاب من داخل البلاد لخارجها، ما يؤدي لضغط كبير على سعر صرف الجنيه وكذلك على الاحتياطيات الدولية وعلى ميزان المدفوعات. • ارتفاع تكلفة تلك الاستثمارات، في ظل ارتفاع سعر الفائدة محليًا، أو تلك الأدوات المطروحة في السوق الدولية لصالح الحكومة المصرية، خاصة أن مخصصات الفوائد على الدين العام بالموازنة المصرية تقترب من 35% من حجم الإنفاق العام، وقد تلامس سقف نسبة 40%، في حالة استمرار توسع الحكومة في المديونية العامة. • تؤدي حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها مصر، وافتقادها الموارد الدولارية المهمة-السياحة، وتراجع تحويلات العاملين بالخارج، ومحدودية الصادرات السلعية- إلى هروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من مصر، حيث خرج نحو 16 مليار دولار في الفترة من يناير حتى أبريل 2011، ما أدى إلى تآكل الاحتياطي النقدي من 36 مليار إلى نحو 20 مليار دولار خلال تلك الفترة. • لا تحقق تنمية اقصادية، فهي لا تسهم في زيادة الإنتاج، أو توفير فرص عمل، لكنها تعطي انطباعاً خاطئاً بتحسن الأوضاع الاقتصادية، ما يسهم في رفع أسعار الأسهم والسندات بشكل غير مبرر، وعند بيعها للاستفادة من ارتفاع الأسعار، تنخفض مؤشرات الأسواق إلى مستويات كبيرة، وينخفض سعر صرف العملة بسبب هروب رأس المال الأجنبي لقاء التخلي عن العملة المحلية، ما يؤدي إلي حدوث أزمات اقتصادية، وحدوث انهيارات مفاجئة في أسعار الأوراق المالية. • لا تزال السياسات الاقتصادية المصرية تركز بشكل كبير على إجراءات تتعلق بالسياستين المالية والنقدية، دون التوجه إلى إصلاح هيكلي في الجانب الإنتاجي، لتحرير القاعدة الإنتاجية المصرية بقطاعي الصناعة والزراعة من مشكلاتها، وبذلك ستظل الحكومة مضطرة لاستخدام سعر الفائدة المرتفع لبقاء هذه الاستثمارات، وما يستتبعه ذلك من زيادة أعباء الدين العام، واستنزاف الموارد المحلية لصالح الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة. • يسهم زيادة شراء الأجانب لأذون الخزانة المصرية في رفع نسب الدين الخارجي، حيث سجل نحو 33.6% على أساس سنوي في يونيو 2017، بواقع 79 مليار دولار، مقابل 55.7 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2016، مرتفعاً بنحو 23.2 مليار دولار، وتعد الحدود الآمنة للدين العام داخلي وخارجي ألا يتعدى نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تجاوزت نسبة الدين العام المصري 136% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أوضحت الدراسة حجم المخاطر المستقبلية للاستمرار في طرح أذون الخزانة ، ويتمثل ذلك فى ارتفاع عائد فوائد الدين مما يؤثر على ارتفاع الدين العام للدولة، وزيادة عجز الموازنة في المستقبل. حيث بلغت فوائد الديون نحو 381 مليار جنيه وأقساط الديون 265 مليار جنيه لهذا العام، ومع زيادة الاقتراض لسد هذه الفجوة ستتسع مرة أخرى، حيث تقترض الحكومة على حساب المستقبل. كما تعانى موازنة العام المالي الجاري 2017-2018 من فجوة تمويلية تقدر بنحو 12 مليار دولار، وتعتزم الحكومة تمويلها من خلال طرح سندات بالأسواق العالمية، ما يسهم في استمرار ارتفاع معدلات الدين العام للدولة. علاوة على أنه في الأجل الطويل سيؤدي استمرار الاعتماد علي أذونات الخزانة إلى امتصاص المدخرات من البنوك، ما سيؤدي إلى انخفاض أرباح البنوك التجارية من اتجاه، وزيادة عوائد الأذونات بدون الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي من اتجاه آخر، ما يؤدي إلى زيادة التضخم في الأسواق. وأوضحت الدراسة أن من بين المخاطر استمرار ارتفاع الدين العام الخارجي خاصة وأن برنامج الحكومة المقدم لصندوق النقد، يتوقع ارتفاع الدين العام الخارجي إلى 102.4 مليار دولار بحلول 2020-2021. وهو ما سيمثل زيادة أعباء خدمة الدين ضغوطاً إضافية على احتياطات النقد الأجنبي في المستقبل، كما أنه مع سوء إدارة الدين العام يزداد عجز الموازنة نتيجة لزيادة الإنفاق العام بمعدل نمو أكبر من معدل نمو الإيرادات العامة، فيستمر بذلك الدين العام في الزيادة من خلال حلقة مفرغة، كما أن تخصيص نحو ثلث المصروفات ونحو نصف الإيرادات لخدمة الدين يعني حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه المبالغ وتتحمل الأجيال القادمة عبء تسديد هذه الديون العامة. وأخيراً نؤكد أنه في ظل هذا الإفراط في الاقتراض، ومع افتراض بقاء الوضع الاقتصادي عما هو عليه من انخفاض الموارد الدولارية، ومزاحمة القطاع الخاص الذي أصابه الانكماش وتأثير ذلك سلباً على الإنتاج والبطالة، فإن النتيجة الطبيعية، هو مزيد من الاقتراض بفائدة مبالغ فيها ومن ثم انخفاض التصنيف الائتماني تباعاً، ما يفتح الباب على مصراعيه لجدولة الديون بفائدة مغالي فيها، والوقوع في دوامة الإفلاس، فلا يمكن لاقتصاد الديون أن يستمر خاصة في ظل انخفاض معدل نمو الناتج المحلي عن معدل نمو الدين العام، ما ينذر حتماً بانفجار فقاعة الديون ووقوع موارد مصر وحاضرها ومستقبلها بيدي الدائنين إن عاجلاً أو آجلاً.