من المناسب أن يبدأ المرء التاسع من نوفمبر في مركز اقتراع داخل مدرسة في حي الشرقيةبالقاهرة. فذلك كان اليوم الذي تؤدي فيه مصر امتحانا في الديمقراطية، حيث ادلى المصريون بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية. وكانت انتخابات العام الحالي البرلمانية الاختبار الكبير لأنها جاءت في نهاية عام مليء بالحديث عن الاصلاح في مصر. وقد نزل المؤيدون للاصلاح الى شوارع القاهرة للشروع باحتجاجات غير مسبوقة وتصعيد الجدل وتحفيز النشاط على المسرح السياسي، وهو ما لم نشهده في مصر منذ عقود من الزمن. وفي سبتمبر الماضي أجرت مصر اول انتخابات رئاسية فيها متنافسون. ولم يكن مما يثير الدهشة ان اعيد انتخاب الرئيس حسني مبارك لولاية خامسة امدها ست سنوات. ولكن المفاجأة كانت مرتبطة بالشعور بأن فضاء أكبر قد تحقق لنمط جديد من المعارضة. وربما كان الأكثر اثارة للدهشة مصير ايمن نور الذي أسس حزب الغد قبل عام فقط. ولكن بعد ما رأيته في التاسع من نوفمبر، ومع إعلان النتائج، يمكنني القول دون تردد ان مصر اخفقت في اختبار الديمقراطية. وقد أخفقت ليس لأن المصريين لا يفهمون القضايا السياسية، كما أشار أحد مسؤولينا على نحو مهين، وإنما لأن الحكومة لم تكن تريد له أن ينجح. وعند العودة الى تلك المدرسة حيث بدأت يوم الانتخابات، يبدو الأمر كما لو ان الحكومة المصرية قد طلبت من شعبها ان يؤدي امتحانا يسمح له أن يتخرج اخيرا من مدرسة. ولكن عندما وصل الناس الى المدرسة صادرت الحكومة أقلامهم قبل ان يدخلوا قاعة الدرس، ثم ربطت اياديهم بعد أن جلسوا عند المناضد لتتوثق من أنه ليس هناك سبيل لمحاولتهم اكمال الاختبار. وبدفع المصريين الى الاخفاق بهذه الطريقة، ضمنت الحكومة ان الطريق الوحيد للتغيير هو كسر ابواب المدرسة بالقوة. وربما كانت الصورة الأكثر اثارة للحزن هو ما حدث في باب الشرقية، حيث كان أيمن نور يدافع عن مقعده في البرلمان الذي ظل محافظا عليه لمدة عشر سنوات. وكان منافسه يحيى وهدان المسؤول في أمن الدولة الذي استقال منصبه قبل اسابيع عدة. واذا ما حكمنا من خلال مؤيدي وهدان الذين وقفوا خارج المدرسة التي ذهبت اليها، فان التهديد كان أحد طرق تحدي أيمن نور. وابلغني نادي عبد الرحمن راغب الذي اشتكى من السلوك التهديدي لمؤيدي وهدان، أنه وبينما كان يدخل المدرسة للتصويت لصالح ايمن نور قائلا «اين الديمقراطية؟ هذا استغلال الناس من قبل آخرين حتى يمكننا القول ان لدينا ديمقراطية». وخسر نور ويتعين علي ان اسمع أي امريء يقدم لي تفسيرا مقنعا، حول كيف ان الرجل الذي جاء في المرتبة الثانية في انتخاباتنا الرئاسية يمكن ان يخسر دائرته الانتخابية التي كانت قد اختارته مرتين في السابق كممثل لها في البرلمان. والصورة السياسية المحزنة الأخرى كانت المعركة المفتعلة التي شنتها الحكومة بمنحها حرية غير مسبوقة لحركة الاخوان المسلمين المحظورة، للقيام بحملة والمشاركة في هذه الانتخابات. واعتقد كثيرون في البداية باننا نشهد شيئا جديدا عندما كانت رايات وبوسترات الاخوان المسلمين التي تعلن الشعار الزائف «الاسلام هو الحل» تظهر في مختلف أنحاء القاهرة. ولكن ما كان بارتفاع رايات الاخوان المسلمين هو رايات وبوسترات اغنياء مصر، رجال أعمالنا الذين لديهم طموحات سياسية بحجم حساباتهم المصرفية. وقد استخدموا تلك الحسابات لشراء الأصوات ورايات الانتخابات. وكان كثيرون يمثلون الحزب الوطني الديمقراطي. وكان هناك مستقلون يمكن أن ينضموا الى الحزب الوطني الديمقراطي ما أن يجري انتخابهم. وفي النهاية كانت تلك هي المعركة، حيث البزنس مقابل الاسلام، وكان الخاسرون وسط هذه المعركة المفتعلة المصريين العاديين الذين كانوا متفائلين بما فيه الكفاية للاعتقاد بانهم يمكن ان يحققوا التغيير خلال فترة حياتهم. وكانت الحكومة تفضل خلق معركة مزيفة مع الشيطان الذي تعرفه على أفضل نحو، وهو الاخوان المسلمين، على ان تتعامل مع بديل للدولة والجامع يمثله أيمن نور والنشطاء المؤيدون للاصلاح. وقد فهمت حركة الاخوان المسلمين الصفقة التي عقدتها مع الحكومة، وقد احترقت بها، ذلك ان مرشحيها خسروا بسبب قوائم تسجيل الناخبين الناقصة والجلسات الليلية لعد الأصوات التي كان يحضرها ممثلو الحكومة فقط، لضمان ان المعركة المفتعلة انتهت الى النتيجة المثالية. والمثال المحزن الاخر على القضايا السياسية كان الهزيمة المنسقة لمساعد رئيس حزب الوفد منير فخري عبد النور. وقد جاء ذلك بعد اسابيع قليلة من أعمال الشغب التي قام بها الاسلاميون خارج كنيسة في الاسكندرية، حيث كانت مثل هذه الهزيمة الشنيعة لسياسي مسيحي يتمتع بشعبية، لتوضح على نحو نموذجي غباء الدكتاتوريات. ان الأمثلة المحزنة كثيرة ولكن رأيي واحد، وهو أن الحكومة المصرية تقود بلدنا في طريق خطر. وليس مما يثير الدهشة أن تكون مصر هي سبب فشل مؤتمر الديمقراطية في البحرين. فبينما كانت كوندوليزا رايس توجه الكثير من النقد الى عدو أميركا الحالي، أي سوريا، فان مصر، التي هي افضل اصدقاء اميركا، هي التي أفشلت المؤتمر. وإذا ما قرأنا الصحف المصرية الصادرة يوم العاشر من نوفمبر، فمن الواضح أنه كان هناك مصران، مصر الصحافة التي تمتلكها الحكومة، التي اطلقت نحو ذراعي الديمقراطية عبر انتخابات التاسع من نوفمبر، بينما مصر الأخرى، مصر الصحافة المستقلة، كانت مليئة بالشكاوى من التزوير والتهديد وشراء الأصوات في ذلك اليوم. والهوة التي تفصل بين المصرين هي حقل واسع ستستمر على النمو فيه أعشاب اليأس والإحباط والغضب. [email protected] ----------------------------------------------------------------------------------------------- الشرق الاوسط