نحمد الله أن عشنا إلى اليوم الذى نرى فيه أناسًا يعترضون على قرار رئيس الجمهورية بكل قوة دون أن يمسهم سوءٌ.. ونسمع أصواتًا تحرض ضد رئيس الجمهورية وتطالب بعزله من منصبه دون أن يمسها سوء.. وتحمل الأخبار أن هناك من اجتمعوا وتناقشوا وقرروا وهددوا الرئيس ثم عادوا إلى بيوتهم آمنين مطمئنين. ونحمد الله أن عشنا إلى اليوم الذى نرى فيه من يتظاهرون ضد رئيس الجمهورية ويهتفون ضده ويطالبون بسقوطه ثم لا تدهسهم سيارات الشرطة ولا يساقون إلى أمن الدولة ليعذبوا وينفوا من الأرض. هذا هو الإنجاز الأكبر لثورة 25 يناير المجيدة.. وهذا هو الاستحقاق الأهم لدماء الشباب الذكية.. الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن تنعم مصر بالحرية والديمقراطية.. ويصبح الرئيس مجرد رجل.. مواطن.. رئيس عابر يأتى ويذهب ليأتى غيره.. وليس فرعونًا مخلدًا فى الأرض.. يمتلك البلاد ومن عليها. المشكلة أن الذين يعارضون الرئيس ويحضرون ضده ويطالبون بعزله ليسوا فى الغالب الأعم من صناع الثورة أو شهدائها أو مصابيها.. وإنما هم حراس القديم.. وسدنة النظام البائد الذى يدافع عن نفسه وعن وجوده فى آخر معاركه. الذين نافقوا الرئيس المخلوع بكل الوسائل.. وزوروا له الانتخابات.. وتستروا على مفاسده.. ولم يُؤثر عنهم كلمة حق فى وجه الظلم الكثير الذى استشرى فى مصرهم الآن الذين يستأسدون على الرئيس محمد مرسى. إنها فى الواقع معركة القديم والحديث.. معركة الثورة فى مواجهة بقايا النظام البائد، الذين ما زالوا يسيطرون على مفاصل الدولة.. معركة التغيير ضد قوى الركود والتكلس. هى معركة سياسية بامتياز - وإن حاول البعض أن يلبسها ثوب القانون والقضاء.. والشاهد على ذلك أن أعلى الأصوات التى تقف بضراوة ضد قرار عودة البرلمان المؤقتة هم صناعة نظام مبارك ورجاله.. يستوى منهم من كان فى الحزب الوطنى ومن كان فى المعارضة.. فالمعروف أن مبارك كان يصنع رجاله.. الذين يؤيدونه والذين يعارضونه. وكان يمكن أن تنحصر معركة رجال مبارك ضد الرئيس محمد مرسى فى الإطار السياسى إلا أنهم فضلوا أن ينقلوا أرض المعركة إلى ما هو أبعد من السياسة.. فقد انطلق المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة الذى لم يضبط متلبساً بكلمة معارضة فى زمن الفساد والاستبداد بتهديد الرئيس المنتخب من الشعب بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويمهله ثلاثة أيام لا غير لسحب قرار عودة مجلس الشعب والاعتذار للشعب.. ويتكلم الرجل وكأنه زعيم حزبى وليس رجل قانون وقضاء.. أو كأنه جزء من اللعبة الحزبية. أما الأخ سامح عاشور نقيب المحامين الذى اختار أن يدافع عن المستثمرين أصحاب شركة المراجل البخارية ضد العمال، رغم أنه ناصرى واشتراكى والمفترض أن يكون دائماً فى صف العمال، فقد اختار أن يحرض القضاة والشعب ضد الرئيس. وشارك كثيرون من رجال مبارك الظاهرون والمتخفون فى زفة التحريض ضد رئيس الجمهورية.. وكان الأخ مصطفى بكرى واضحاً فى ذلك عندما أعرب عن دهشته من صمت المجلس العسكرى إزاء قرار مرسى.. بينما انطلق آخر يطالب صراحة من المجلس العسكرى بحصار القصر الرئاسى حتى سقوط الرئيس. وهناك آخرون طالبوا بعزل مرسى سواء عن طريق القضاء أو عن طريق مليونيات عكاشة عند المنصة. والمعروف أن الرئيس محمد مرسى هو أول رئيس منتخب فعلياً من الشعب المصرى، كما أن مجلس الشعب هو أول مجلس منتخب فعلياً من 30 مليون مصرى.. ولذلك كان جزاء الرئيس كل هذا التطاول الخارج عن حدود اللباقة وعن حدود الممارسة السياسية الصحيحة. إن الرئيس لم يتنكر لحكم المحكمة الدستورية العليا ولم ينل منه وإنما رأى أن من باب المواءمة السياسية أن يعود مجلس الشعب ليسترد السلطة التشريعية، ويقوم بدوره إلى حين حله فى موعد محدد التزاماً بحكم الدستورية العليا. وسوف تثبت الأيام أن الذين يراهنون على الانقلاب العسكرى خاسرون لأن الدنيا تغيرت.. ومن يراهنون على برستيج الوفد خاسرون لأن اليد الناعمة لا تستطيع التغيير.. القادر على التغيير هو من ينزل الشارع ويتعامل مع الناس ويقنعهم وليس من يتحدث إليهم من أنفه وهو يتحسس طربوشه.. ومن يراهن على حزب التجمع ورفعت السعيد خاسر بالثلث لأنه يراهن على كائن مشوه تكون خارج جدار الرحم السياسى لمصر ونزل مبتسرا وعاش حياته منبوذا بين الناس. لن يكون فى مصر انقلابا عسكريا لأن الشعب الواعى هو الذي يحرس الشرعية ويحرس دولة القانون.. الشعب هو مصدر السلطات جميعا.. والدكتور مرسى من صفوف الشعب.. ولذلك هو يحتمى دائما بالشعب.. بالجماهير.. بالفقراء والأغنياء. يحتمى بالشعب الذى خرج يطالب بأن يسترد الرئيس كامل صلاحياته.. ويهتف بسقوط الإعلان الدستورى المكبل الذى أيده وهلل له الزند ود. يحيى الجمل وتهانى الجبالى وسامح عاشور.. وقد كان عاشور رئيسا للمجلس الاستشارى للمجلس العسكرى ولم يهمس ببنت شفة ضد الإعلان المكبل المرفوض شعبيا. ومن عجب أن الدكتور يحيى الجمل الذى حرض وشارك فى إعداد الإعلان الدستورى المكبل هو نفسه د. يحيى الجمل الذى يدافع عن متهمين فى قضية التربح من البورصة.. المتهم فيها جمال وعلاء مبارك. ولقد اختار هؤلاء أن يقفوا ضد الرئيس مرسى وضد الشعب.. اختاروا أن يحاربوا معركة الفلول الأخيرة.. وأن يحرضوا ضد الرئيس ويهددوه.. بينما يحتضنه الشعب ويدافع عنه.. ومن هنا يدخل الرئيس التاريخ من أوسع أبوابه.