عندما يكون جيش الوطن في معركة ضد الإرهاب فإن الخنادق تتمايز بوضوح ولا يكون هناك موقف وسط أو متردد أو بين بين ، فأي مصري هو مع جيش بلده ضد الإرهاب الذي يهدد مصر ضمن دول عديدة في المنطقة والعالم ، ومن هذا المنطلق كان التأييد الواسع للحملة الشاملة التي أعلنت عنها القوات المسلحة المصرية ضد الإرهاب في شمال سيناء وفي الصحراء الغربية وتشمل مناطق أخرى في عموم البلاد ، وقد صدرت بيانات ثلاث حتى الآن من القيادة العامة للجيش توضح سير العمليات . التأييد البديهي للحرب على الإرهاب لم تمنع قطاعات واسعة أيضا من المصريين من طرح بعض التساؤلات التي أعتقد أنها مشروعة في هذا السياق ، ولعل أهمها السؤال الشائع : لماذا الآن ؟ ، وسبب هذا التساؤل أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد طلب تفويضا شعبيا في العام 2013 لمواجهة الإرهاب المحتمل ، وقد نزلت حشود جماهيرية كبيرة وقتها بالفعل ، دون أن تحدد هذا الإرهاب الذي يشير إليه ، إعلانا للتضامن مع الدولة بغض النظر عن الأشخاص ، وكان السيسي يتحدث بعد ذلك في مناسبات عديدة مؤكدا على أن الشعب فوضه لمواجهة الإرهاب ، وبيننا وبين ذلك التفويض اليوم قرابة أربع سنوات ونصف ، فعندما يعلن الرئيس الحرب الشاملة على الإرهاب اليوم ، بعد هذه السنوات الطويلة من التفويض فإن الطبيعي أن يسأله الناس : وما الذي منعك من هذه المواجهة الشاملة طوال خمس سنوات ؟ وما الذي عطل استخدام التفويض ، ورغم تعدد التكليفات التي وجهت من قبل بدحر الإرهاب إلا أن الإرهاب تزايد وتوسع وتوحش وضرب في كل اتجاه ، فما معنى أن نظل خمس سنوات رهنا لهذا الوضع الخطير رغم أن الرئيس يحمل تفويضا شعبيا بالمواجهة الشاملة ، وحتى بدون تفويض فتلك مسئوليته الدستورية في حماية الوطن وحدوده وأمنه وسلامة أراضيه ، أعتقد أن هذا الأمر كان يستحق مؤتمرا صحفيا للرئيس يرد فيه على التساؤل ويجلي فيه الأمور أمام المواطنين . أيضا ، الدولة خلال الشهرين القادمين مقبلة على استحقاق انتخابي مهم ، يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية ، ويفترض أن جهات إنفاذ القانون يكون لها دور مهم في تأمين تلك العملية وتأهيل الأجواء لها ، فلماذا يتم اختيار هذا التوقيت تحديدا من أجل حشد القوات المسلحة وقوات الشرطة في تلك المواجهة وكان أمامها في الوقت سعة ، لماذا في أجواء الانتخابات يتم ذلك ، وخاصة أن الأجواء الانتخابية تستدعي حوارا وطنيا موسعا ويصحبه بطبيعة الحال نقد الممارسات وإعادة تقييم تجربة الرئيس المنتهية ولايته وربما الكشف عن سلبياتها المفترضة وكل وجوه النقد المشروعة سواء من قبل المرشح الآخر المنافس افتراضيا أو من قبل جموع الشعب وقواه الوطنية وقوى المعارضة أيضا ، فهل أجواء الحرب الشاملة ستناسب فتح تلك الملفات وتوسيع النقد لرئيس الجمهورية ومنح الشعب الحق في إعادة تقييم سياساته ، ومن ضمنها جردة حساب عما فعله بالتفويض ، وهل نجح أو أخفق في حل مشكلة الإرهاب . في البيان الأول للحرب الشاملة على الإرهاب لوحظ وجود بعض العبارات الغامضة والتي طرحت هي الأخرى تساؤلات عن مغزاها والمقصود منها ، فقد ورد في البيان توضيح أهداف العملية بأنها : (بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية وضمان تحقيق الأهداف المخططة لتطهير المناطق التي يتواجد بها بؤر إرهابية وتحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف بالتوازي مع مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلي) . والحرب على الإرهاب مفهومة بطبيعة الحال ، ولكن "الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلي" كانت عبارة غير مفهومة ، ودفعت العديد من المحللين إلى التساؤل حول معناها ، وأعتقد أن الأمر يستدعي توضيحا من المتحدث العسكري لمنع اللبس ، لأن عبارة تهديد الاستقرار الداخلي تستخدمها منابر إعلامية وأمنية رسمية كثيرا للتنديد بالممارسات السياسية للأحزاب والقوى السياسية المعارضة للرئيس السيسي . ولكنه صحيح قطعا أنه إلى جانب خطر الإرهاب هناك مخاطر إجرامية أخرى عديدة في مختلف أنحاء البلاد ، وخاصة تلك المتعلقة بعصابات الاتجار في المخدرات وهي باب أغلب شرور المجتمع حاليا ، وهناك نقاط معروفة ، مثل البؤرة الموجودة في طريق القاهرةالإسماعيلية الصحراوي ، في المنطقة بين محافظتي الإسماعيلية والشرقية ، حيث تباع المخدرات علنا مصحوبة بعمليات قتل أو موت غامض ، وتعددت شكاوى الناس ، وتقول قيادات أمنية أن الداخلية وحدها لا تستطيع تفكيك تلك البؤرة وتمشيطها ، فبقاء هذه البؤر وأمثالها تضعف من هيبة الدولة ، وتعطي رسائل سلبية عن الخلل في أولويات السلطة تجاه أمن المواطن وسلامته . كل التوفيق لقواتنا المسلحة في مهمتها الوطنية ، ونشد على أيدي رجالها ورجال الأمن آملين أن تنتهي مهمتهم في أقصر وقت وبأقل التضحيات ، وأن تبرأ مصر من وباء الإرهاب المروع . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1