حكماء هم أجدادنا لا شك، حقيقة ترسخت عندى بتعاقب الأيام وكثرة المشاهدات، لا أدرى من أى نبع حكيم كانوا يعرفون تلك الجمل العبقرية المسماة بالأمثال الشعبية، ولا أدرى فى أى زمان اتفقوا على اختزال تجاربهم الحياتية فى صورة حروف ذهبية متوارثة بين الأجيال فى صورة أمثال تروى. المثل الذى أعنيه اليوم هو مثل شعبى بسيط الكلمات عميق الدلالات سمعته من أمى رحمها الله ذات يوم حين رأت تعجلى فى الحكم على أمر ما: "لا تذم ولا تشكر قبل سنة وستة أشهر". الرسالة التى لخص بها أجدادنا تجربتهم مع الحياة فى هذه الناحية فى غاية الوضوح، وكأنما يقولون لنا يا أحفادنا ويا سكان بلادنا من بعدنا كونوا حكماء، ولا تتعجلوا الأحكام فالأحكام المتعجلة لا تختلف كثيرًا عن الأحكام المسبقة فى شؤمها على صاحبها وإخفاقها فى إصابة الصواب. أريد أن أسقط هذا الدرس الحكيم على ثورتنا المصرية الحائرة؛ نجحت الثورة بفضل الله بعد خطوات كثيرة متعثرة فى زحزحة صخرة النظام القديم والإتيان بمرشح ينتمى لصفوف معارضة النظام السابق وهو د. مرسى؛ ولا شك أننا بسبب حداثة عهدنا بالتجربة الديمقراطية برمتها أضف إلى ذلك الحالة الثورية التى تعيشها البلاد وكذلك طول معاناتنا مع النظم الديكتاتورية السابقة عقودًا طويلة، كل ذلك جعلنا نميل إلى التعجل فى رؤية نتائج سريعة؛ والبدء فى اقتطاف ثمار الثورة. فلنا كل العذر فى هذه الرغبة الملحة فى رؤية آثار الثورة ماثلة أمام أعيننا؛ لكن ينبغى ألا تطغى هذه الرغبة على الإنصاف فتجعلنا نتعجل الشىء قبل تمامه، وقديمًا قال علماء الأصول: من استعجل الشىء قبل أوانه عوقب بحرمانه. ونحن لا نريد أن نحرم التمتع بنتائج ثورتنا العظيمة بأى حال. الأمر يحتاج إلى تؤدة، والتجربة تحتاج أن تأخذ وقتها الكافى لتستطيعوا الحكم عليها. دعونا نمد جميعًا يد العون لرئيسنا المنتخب بإرادتنا الحرة للمرة الأولى ودعونا نصبر عليه مائة يوم وهى كفيلة لتعرفنا إلى أين تتجه سفينة الوطن تحت قيادته. ولا يعنى ذلك بأى شكل من الأشكال أن نعود لزمان إمضاء الشعوب لشيكات على بياض لحكامها، فعقارب الساعة لن تعود أبدًا للوراء؛ وما أجمل أن ترى الناس وهى تتنفس حرية فى كل مكان، تحاسب رئيسها على أدائه بل ويدشن الشباب موقعًا مرسى ميترmorsiMeter لمحاسبة رئيس الجمهورية على الوعود التى أطلقها إبان الحملة الانتخابية، ثقافة جديدة أكسبتنا الثورة إياها بفضل الله كانت من قبل رفاهية لا نحلم بها؛ لكننا لا نريد أن يؤثر هذا الكسب الجميل على الموضوعية، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نحكم على رئيسنا الجديد بمرور بضعة أيام أو حتى أسابيع، حقه علينا أن نعطيه فرصته الكاملة لتطبيق مشروعه والسير قدمًا به؛ ومن الطرائف التى تناقلها شباب الفيس بوك بمجرد حلف مرسى اليمين تعليقًا على ترصد البعض: مرسى أصبح رئيسًا منذ ما يزيد على الساعة وربع الساعة فماذا قدم حتى الآن؟ أخشى أن يتحول هذا الشكل من الرقابة إلى دافع للحاكم لاتخاذ إجراءات سريعة غير مدروسة بغرض دغدغة مشاعر الجماهير المتعطشة وترضيتها وفى حقيقة الأمر تكون أضراراها على الوطن أكثر من فوائدها. دعوتى هى أن نوازن لأجل مصلحة مصر بين الرقابة على الرئيس وحكومته وبين إعطاء الفرصة كاملة لهم لانتشال البلاد من مستنقعها الذى حبست فيه. أعطوا مرسى فرصة لتطبيق مشروعه ونجاحه، وكفانا أن مصر ساعتها ستربح بربحه. [email protected]