يمر المشهد السياسى الحالى بأطوار لا تنسجم مع مبتغانا رغم شبه علمنا بالمأمول، ولكننا تغافلنا عن وقع أقدامنا وخطوتنا التالية، فبتنا فى حالة الحيرة التى تسيطر على المشهد. لقد تعاظمت الرغبة فى الاستحواذ على الصورة بكاملها عند بعض الفئات، لدرجة أننا استحضرنا أحد أمراضنا الاجتماعية وهو الإقصاء ليصبح أحد محددات الصورة، فكل فريق يريد أن يُقصى زميله وكأن الوطن لا يتسع للجميع. فى حوار مع زميل حول الوضع الراهن، بادرنى بقوله إن أحد الأحزاب صرحت بأنها تخطط فقط لثلث مقاعد المجلس النيابى، ثم استحوذت على نسبة أكبر من ذلك، واعتبر ذلك طعناً فى مصداقية الحزب، وحقيقة تعجبت من السؤال، لأن جميع الأحزاب بعكس جمعيات المجتمع المدنى تبغى أن تطبق برامجها ورؤاها على المجتمع، حيث تستشعر فى نهجها الخير للمجتمع، هذا هو الوضع الطبيعى لمختلف الأحزاب فى جميع الدول ولا يتنازل أى حزب عن هذه الرؤية إلا إذا أدرك ضعف برنامجه أو انعدام فرصته فى الفوز فى الانتخابات! الأمر العجيب بالنسبة للممارسة الحزبية الحالية أن البعض قذف بنفسه وبمقربيه فى غمار تلك الحلبة بلا برنامج إلا من رؤى تذكرنى بمن يذهب لاجتماع مهم مدوناً نقاطًا يرغب فى الحديث عنها على علبة كبريت! هؤلاء الذين قذفوا بأنفسهم فى الحلبة بلا رؤى حقيقية يستقتلون ليغنموا أى مغنم ويشوهوا صورة شركاء الوطن بأى طريقة. أعود إلى سؤال محدثى الذى يعنى كتابة نتيجة الامتحان قبل وضع الأسئلة، وهو أمر خابرناه قديماً وتحدث عنه البعض فى وسائل الإعلام حالياً، ومازال يعلق بأذهاننا، لنكتشف أن القضية ككل يخفت فيها البعد القومى وتغلب عليها المصالح الشخصية ليصبح الإقصاء الفاعل الرئيس فى المشهد. ونتيجة غياب الرؤى لبناء الوطن، إلا من أقوال مرسلة، يصبح الإقصاء هو الجواد الرابح للفوز. ودون تشكيك فى وطنية من يتعامل مع من يرفضهم فى العلن، نجد أن السير الذاتية لمن تقدموا للانتخابات الرئاسية شاهد على ذلك السلوك، وليبقى المشهد محيراً للعامة رغم وضوح مفرداته! يقول غاندى أبو الهند: "الخطيئة لا تصبح فضيلةً بالترويج المتكرر لها، كما لا تصبح الفضيلة خطيئة لأن أحداً لا يبصرها"، ولكن البعض لا يبصر تلك المقولة ويلقى بسفاسف الأمور فى معترك إعلام رأس المال، ظناً منهم أن التكرار يقلب الكذب صدقاً والخطيئة فضيلة. أتذكر أن شائعة مضاجعة الوداع المقززة والمنفرة إنسانياً والتى لا تتوافق مع أى شريعة أو منطق بدأت بعبارة: محاولاً استباق أخطار أحسها أعضاؤه، من نص لخطاب ذكره أحد صحفيى جريدة قومية أن رئيسة المجلس القومى للمرأة قد أرسلته لأحد نواب البرلمان، وتناقلت صفحات التواصل الاجتماعى الخبر بصيغة مناقشة المجلس النيابى لقانون بشأنه رغم عدم صحة الخبر بالأساس، ثم تناقلته صحف وفضائيات محلية وأجنبية فى محاولة لتشويه صورة مصر وليس المجلس النيابى. لقد قصر المجلس النيابى بحق عن تحقيق طموحاتنا التشريعية والرقابية، لكنه لم ينزلق لهذا المنحدر اللاأخلاقى واللاإنسانى، بقى أن نتذكر أن الشائعات كانت تُطلق قديماً من خلف الستار ويتم حالياً إطلاقها جهاراً نهاراً بكلمات غير متصلة بأى سياق، فلا ننسى أن حلقات إعلام الفساد مازالت تعمل بكفاءة. وحتى لا نتهم الآخر كى ننأى بأنفسنا عن الاتهام، يلزم أن نقوم بتعديل سلوكنا لنعيد سلوك الشارع المصرى كما كان إبان فبراير من العام الماضى لنعيد إبصار الضوء فى نهاية النفق والذى خَفتَ لدرجة أنه لا يراه إلا قلة القلة. لقد أعطى تلكؤ السلطة انتهازيى وعملاء النظام السابق وليس البائد، فترة حضانة طويلة ممنهجة لالتقاط الأنفاس ليصفعوا الوجوه بعدها، وتشاغل البعض فى خطيئة وطنية باقتسام الغنائم وتناسوا واجبهم ولم يستعدوا للخطوة التالية فيفاجئهم أى تحرك ويجرهم أساتذة اللعب إلى حيث يتشاغلون! لقد تعجل المجلس التشريعى فتح ملف لجنة الدستور رغم التوافق على القواعد التى وضعها من تيارات عديدة إلا أنه تعجل فى انتخاب أعضائها، وهنا تأتى القشة التى قسمت ظهر البعير، فلا يعقل أن يتم اختيار أعضاء اللجنة بلا سير ذاتية خلال أربع ساعات. الأمر مثير للضحك، لأننا استعجلنا وأهدرنا جهدنا ثم استعجلنا ثانية ثم بدأنا فى تقديم التنازلات ثم شعرنا بالمرارة فقذفنا الكرة فى وجه المجلس العسكرى والحكومة بتعليق جلسات مجلس الشعب فى غضبة نظنها تُنجينا من غضبة الشعب بلا أى فعل إيجابى! القضية أن ممارساتنا النيابية لم تنتج تشريعاً يقف ضد منظومة الإفساد، وبالتالى فلا تشفع للمجلس أى أخطاء بل باتت ممارسات إدارة المجلس محل انتقاد علنى! استمعت إلى أغنيتى سيدى الرئيس العربية والإنجليزية لمطربتين شهيرتين، إحداهما لبنانية والأخرى أمريكية، وكم لفت نظرى تشابه قضايا الأغنيتين، فالعدل والحرية والشهداء والسجون والضمان الاجتماعى، قضايا واحدة مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة مع ملاحظة اختلاف المكنون الثقافى وضرورة الوقت كنتيجة لاختلاف الواقع المعاش. ولنسترسل مع الأغنية العربية فى تساؤلاتها للرئيس: من سبى الحلم؟ ومن رمى أيامنا بالقهر؟ بالغدر؟ بأغلال السجون؟.. أتسمع الأحرار حين يسألون؟.. نمشى وبيننا يغلُ خائنون.. يُوجعنا أنهمُ بغدنا يقامرون.. يجرحنا أنهمُ قرارنا يحاصرون.. يقلقنا أنهمُ يدرون ماذا يفعلون.. إلى متى هم فى شرايين رؤانا يسكنون؟.. ولينهزم هذا الجنون، وليرجم مَن قد يخون.. وهذه قلوبنا معاقل الحرية، وهذه أجسادنا ذخائر القضية.. ونُقسمُ سنبقى، لأننا وأرضنا والحق أكثرية.