بعد انتخابات الرئاسة، تداعى عدد من الشخصيات والأحزاب السياسية لتشكيل تيار جديد يعبر عن ملايين الناخبين الذين لم يعطوا أصواتهم لشفيق ممثلاً للنظام القديم أو لمرسى ممثلاً للإخوان المسلمين والتيار الإسلامى. منطلقين من أن لكل من الدولة والإخوان تنظيماتهم القوية، وأن الصراعات التى دارت فى المجتمع منذ الثورة أثبتت بما لا يدع للشك أن التنظيم القوى أصبح ضرورة، وأن العمل الفردى لا يجدى، وأن المجموعات المتفرقة المتشرذمة لا تجدى، وأن الأحزاب متوسطة الحجم والانتشار والقوة لا تجدى، وأنه على مَن يريد أن يشارك فى حكم مصر وتوجيه بوصلتها، أن يمتلك هو الآخر تنظيمًا كبيرًا متماسكًا ومنتشرًا لا يقل قوة عن تنظيم الإخوان المسلمين وإلا سيظل فى الهامش يكتفى بدور الكومبارس واستجداء التمثيل والمشاركة من الأغلبية. *** وفى هذا الاتجاه سمعنا عن محاولات متعددة مثل التيار الثالث أو حزب مصر القوية أو حزب الدستور، وكلها دعوات شاركت فيها شخصيات محل احترام وتقدير. ولاشك أن مثل هذه الدعوات المتكررة مشروعة وطبيعية وإيجابية ومطلوبة، فى إطار المحاولات الدائمة للقوى الحية فى المجتمع للمراجعة والتصحيح والتطوير، ولا يجب أن تثير غضب أو عداء أو خوف التيارات الأخرى، فهى تكمل بعضها بعضًا ويضفى خلافها ثراء على الحياة السياسية، طالما استهدفت الصالح العام. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى نسمع فيها عن مثل هذا الاستقطاب داخل القوى السياسية، فمنذ قيام الثورة، قام الإعلام، للأسف الشديد، بتقسيم القوى السياسية إلى تيارين رئيسين، هما التيار الإسلامى والتيار الليبرالى، متجاهلاً باقى قضايا المجتمع وباقى تياراته! وهو الانقسام الذى بدأ مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية ولا يزال مستمرًا ومحتقنًا حتى الآن. ولقد اعترف كثير من الداعين إلى التيار الجديد بفشل التيار الليبرالى وحلفائه فى المرحلة الماضية فى الحصول على تمثيل مقبول ومشرف فى المؤسسات المنتخبة، مما استدعى العمل على تأسيس هذا التيار الثالث. *** ولكى ينجح هذا التيار، ولا يقع فى ذات الأخطاء التى وقعت فيها المحاولات الأولى، ولكى يمثل وجوده إضافة حقيقية للحياة السياسية المصرية فأتصور أنه يجب أن يحرص على المنطلقات الآتية: أن يطور دعوته من كونه مجرد ردة فعل للتيار الإسلامى يضم خصومه ويستمد شرعية وجوده من العداء له، إلى تيار سياسى عام يمتلك رؤية علمية شاملة لمستقبل مصر، رؤية قادرة على استقطاب الأنصار من كافة التيارات بما فيها التيار الإسلامى ذاته. ألا يكون تيارًا إقصائيًا، يستهدف إقصاء التيار الإسلامى، فكل محاولات إقصاء أحد تيارات الأمة الرئيسية قد باءت بالفشل على امتداد التاريخ. أن يكون مدركًا للخصوصية الحضارية العربية الإسلامية لمصر والوطن العربى التى تتفاعل مع باقى المكونات الحضارية للأمة. أن يستقل عن كل الجهات والأطراف والقوى والأحزاب المحسوبة على نظام مبارك بكافة توجهاته السياسية والطبقية والاقتصادية. أن يكون بالضرورة تيارًا وطنيًا معاديًا للتبعية الأمريكية وللمشروع الصهيونى ولمعاهدات كامب ديفيد، فكل من يصمت عن هذه القضايا أو يتجاهلها يولد ميتًا مهما أثير حوله فى البداية من ضجيج وضوضاء. أن يكون تيارًا منحازًا إلى غالبية الشعب المصرى فى مواجهة الطبقة الرأسمالية المستغلة التى تمتلك ما يقرب من نصف ثروة البلاد ولا تزال تنهب المزيد منها، كما أنها جزء لا يتجزأ من نظام مبارك، وحليفة وصديقة ووكيلة للولايات المتحدة وحلفائها. أن يستبدل فكرة الزعيم أو القائد الأوحد، بوضوح الرؤية والبرنامج السياسى والعمل المؤسسى الجماعى. أن يمتلك منظومة قيم وطنية وعقائدية وأخلاقية قادرة على الهام وإعداد وتربية نوعية من الكوادر قادرة على تقديم ذات العطاء والتضحيات والمثابرة وإنكار الذات الذين تعمل بهم عناصر التيار الإسلامى فى مواقعها بين الناس. وأخيرًا وليس آخر أن يتجنب ويحتاط فى أدائه وممارساته من أن يكون أداة فى أيدى أطراف داخلية أو خارجية ترغب فى تصفية تيار الأغلبية أو حصاره أو الضغط عليه، على الوجه الذى تعرضت له القوى الوطنية فى عصر السادات أو على الوجه الذى يحدث فى لبنان على سبيل المثال فى مواجهة حزب الله والمقاومة. وفى ذلك فليجتهد المخلصون. [email protected]