تشرح قواميس اللغة العربية كلمتى "اقتدار" و"مُقتدر" على النحو التالى: اقتدار وتعنى الاقتدار على الشىء والتمكن منه والقوة عليه أو تركه، ومقتدر وهى تحمل معانى: المسيطر والمتحكم فى الشىء والقادر عليه.. وكل هذه الكلمات والمعانى تأتى من أصل كلمة "قدر". فى تركيا تستخدم كلمة "اقتدار" بمعنى "السلطة والحكم" و"اقتدارجى" كلمة تطلق على الرئيس أو رئيس الحكومة أو رئيس الجهة أو المؤسسة الرسمية، أى صاحب السلطة. من ثم، فرئيس الدولة أو رئيس الحكومة المنتخبة، هو الشخص الحاكم وصاحب سلطة إصدار القرارات المتنوعة، منها المتعلق بشئون الحكم والسياستين الداخلية (جيش وشرطة ومحليات وبلديات) والخارجية.. وفى النظام السياسى المصرى، الذى ظهر بعد انقلاب الجيش على النظام الملكى عام 1952، ثم ثار عليه الشعب يوم 25 يناير، وطالب بإسقاطه، كان للرئيس سلطات وصلاحيات مطلقة، تشير إلى كون النظام رئاسيا تسلطيا، يضع كل مقدرات وسلطات الدولة فى يد شخص واحد.. حتى أن دستور عام 1971، كان يعطى للرئيس الحق فى إصدار قرارات لها قوة القانون، والتقدم بمقترحات تعدى مواد بالدستور، فضلاً عن تولى التشريع وسن القوانين، فى حالة عطلة المجلس أو عدم وجود البرلمان أو مجلس الشعب.. ثم، يتقدم فيما بعد بعرض قراراته القانونية على المجلس حال انعقاده لينظر فيها. تلك الوضعية الرئاسية السلطوية، التى وضعتها الطغمة العسكرية، كانت السبب فى مجمل المشاكل التى عرفتها الدولة المصرية وشعبها طوال 60 سنة، وقادت فى يناير 2011 لاندلاع ثورة شعبية ضخمة، ربما تكون الأولى فى تاريخ مصر من حيث ضخامة من شارك فيها ومدة تواصلها، ترتب عليها خلع الرئيس حسنى مبارك ووضعه فى السجن ومحاكمته بجرائم أوجبت الحكم عليه قضائياً بالمؤبد هو ووزير داخليته. لقد كان حسنى مبارك مقتدراً مسيطراً ومهيمناً على كل شىء فى مصر طوال 30 سنة، ولم نسمع أى معارضة أو غضب طوال 30 سنة، من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو حاول تقليص وتقييد سلطات الرئيس، لسبب بسيط، هو: أن واضع هذا النظام الفردى التسلطى، هم كبار قادة الجيش أى المجلس العسكرى الذى كان يترأسه الفريق حسنى مبارك.. يعنى بالتعبير المصرى الشعبى"زيتا فى دقيقنا". لكن هذا المجلس العسكرى وجد نفسه، للمرة الأولى، فى تاريخه، يقف وجهًا لوجه أمام رئيس مدنى، لا يحمل رتبة اللواء أو الفريق أو المشير، ومجبر أن يقدم التحية للرئيس المدنى ويمتثل لتعليماته وأوامره.. فلم يعجبه انتخاب شعبر مصر لشخصية مدنية، لديها أعلى المستويات العلمية والخبرة الإنسانية، وهى جزء من الثورة الشعبية التى لم يقر أو اعترف بها مجلس العسكر. من ثم، سعى مجلس العسكر- لم ينتخب أو عيّن من طرف إرادة شعبية، بل فى الحقيقة انتهى دوره بخلع رئيسه والسقوط الجزئى للنظام- المفزوع والخائف من وجود رئيس مدنى، سعى لانتزاع صلاحيات ومقتدرات رئيس الدولة، التى وضعها العسكر أنفسهم فى الإعلان الدستورى الأول، يعنى العسكر ينقلب على نفسه ويتناقض مع وعوده وتعهداته!.. وأصدر إعلانًا (دستوريًا) ثانياً، بعدما، تأكد من أن الإرادة الشعبية، ترفض مرشحه الفريق أحمد شفيق، وستأتى بمحمد مرسى الذى تشير كل مجريات الأمور إلى أنه بالسلطات المنصوص عليها فى إعلانه الدستورى الأول ورغم كونها متقلصة عما كان من قبل، غير أنها تسمح له بقيادة التحول الديمقراطى وتحويل مصر من دولة عسكرية أمنية لدولة مدنية ديمقراطية. يتحدثون عن الدستور والدولة القانونية، وهذا يدفعنا لتذكيرهم بأن دستور 71 لا ينص مطلقاً على نقل الرئيس المخلوع) سلطاته للمجلس العسكرى، علاوة على عدم حق الموظف العام المقال أو المستقيل أو المخلوع بممارسة أى أعمال رسمية قانونية، ومن هنا لا مشروعية قانونية ولا أخلاقية لسيطرتهم على السلطة فى 12 فبراير 2012، أما الشعب فقد وافق بأغلبية على تعديل 9 مواد دستورية فقط، حولها العسكر لإعلان دستورى دون عرضه على الشعب! ثم يرتكب أخيرًا حماقة أو بلطجة تاريخية بنزع سلطات الرئيس المنتخب وخطف التشريع وغلق مجلس الشعب المنتخب.. أى محاصرة وتصفية الرئيس المنتخب، لكن تدريجياً، كما فعل مع المجلس.. فهل سيقبل الرئيس محمد مرسى، أن يكون بدون اقتدار وأن يكون غير مقتدرعلى قيادة عربة التحول الديمقراطى؟