جاء الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى وكأنه كابوس كئيب قضى على فرحة المصريين بوجود أول رئيس منتخب لمصر منذ عهد الفراعنة. ففى الوقت الذى كان يستعد فيه الشارع المصرى بتنصيب الرئيس المنتخب بعد ثورة يناير العظيمة، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانًا دستوريًا مكملاً يحدد فيه سلطات رئيس الجمهورية وطبيعة المرحلة بعد انتخاب رئيس مصر الثورة. فقد تضمن الإعلان الدستورى المكمل سلطات محدودة للرئيس فى مقابل سلطات واسعة للمجلس العسكرى جعلت البعض يشبه الرئيس المنتخب بأنه أشبه بالملك فى الأنظمة الغربية "يملك ولا يحكم" وذلك على غرار ملكة بريطانيا التى تملك ولا تحكم. أعطى الإعلان الدستورى المكمل سلطات واسعة للمجلس العسكرى تتمثل فى انتقال السلطة التشريعية إليه لحين انتخاب مجلس شعب جديد خاصة بعد حل البرلمان بحكم قضائى، وأن جميع أمور القوات المسلحة يختص بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره، وأنه لا يجوز للرئيس المنتخب إعلان الحرب إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ذلك. وطبقًا لهذا الإعلان، فإن المجلس العسكرى الحالى هو مجلس قائم بذاته لا يجوز تغيير أعضائه إلا من قبل المجلس ذاته، وأنه فى حالة عدم قيام أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور من الانتهاء من تشكيلها خلال أسبوع يقوم المجلس العسكرى بالدعوة إلى تشكيلها تحت رعايته. وقد أكد الخبراء والقانونيون أن هذا الإعلان يضفى مزيدًا من الاستقلالية على وضع القوات المسلحة ويعطيها مزيدًا من السلطات تفوق رئيس الجمهورية المنتخب وتقيد الرئيس الجديد لمصر الثورة فى الكثير من اختصاصاته. وأشار الخبراء إلى أن المجلس العسكرى يستحضر النموذج التركى فى التعامل مع الرئيس المنتخب والذى أعطى وضعًا خاصًا للعسكر داخل الدستور بدعوى حماية العلمانية، إلى أن جاء حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى، وقلل تدريجيًا من دور العسكر فى الدولة إلى أن اختفت تدريجيًا. وأشار المحللون إلى أن الإعلان الدستورى المكمل يجعل المجلس العسكرى شريكًا للرئيس المنتخب فى إدارة شئون البلاد. وفى إطار ذلك استطلعت (المصريون) آراء القانونيين والمحللين فى بنود الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومدى تأثيره على قيام الرئيس المنتخب بواجباته الدستورية والقانونية.
الدكتور إبراهيم العنانى: كان يجب عمل استفتاء شعبى على الإعلان المكمل والرئيس المنتخب له أن يرفض القوانين التى يقترحها العسكرى فى البداية أكد الدكتور إبراهيم العنانى أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس أن توقيت صدور الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى غير مناسب فى الوقت الحالى خاصة مع الظروف السياسية التى تمر بها مصر. وأضاف العنانى أن المجلس العسكرى احتفظ فى الإعلان الدستورى المكمل بحق التشريع بسبب غياب مجلس الشعب بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته وحله. لكن فى الوقت ذاته يحق لرئيس الجمهورية المنتخب الاعتراض على القانون الذى يقدمه إليه المجلس العسكرى للتصديق عليه لإقراره، لكون المجلس العسكرى فى هذه الحالة يحل محل البرلمان، وذلك حسبما أعلن المجلس العسكرى على لسان اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس. وأشار العنانى إلى أن الذى تسبب فى خروج الإعلان الدستورى بهذا الشكل هو قرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان والذى سبب فى الوقت ذاته فراغًا تشريعيًا أراد أن يسد المجلس العسكرى هذا الفراغ التشريعى. وأوضح أستاذ القانون الدستورى أنه يجب على أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور العمل بسرعة كبيرة على الانتهاء من وضع الدستور حتى يتم انتخاب مجلس تشريعى جديد يسترد السلطة التشريعية من المجلس العسكرى والخروج من عباءة هذا الإعلان الدستورى المكمل. ونوه العنانى إلى أنه ينبغى على أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية وعدم الدخول فى المتاهات السياسية والخلافات الحزبية. وشدد العنانى على أنه كان يجب عمل استفتاء شعبى على هذا الإعلان الدستورى المكمل مثلما حدث فى الإعلان الدستورى الأول الذى أصدره المجلس العسكرى عقب ثورة يناير وقام بعمل استفتاء شعبى عليه. وعلل العنانى عدم لجوء العسكرى إلى عمل استفتاء شعبى على الإعلان الدستورى المكمل لضيق الوقت والظروف السياسية الراهنة التى تمر بها مصر من حل للبرلمان المنتخب والانتخابات الرئاسية وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور. وعن عدم أحقية رئيس الجمهورية المنتخب فى إعلان الحرب إلا بعد موافقة المجلس العسكرى، قال العنانى إن جميع الدساتير التى تم إنشاؤها فى مصر بدءًا بدستور 1923، ودستور 1930، ودستور 1971، لم يكن لرئيس الجمهورية الحق فى إعلان الحرب إلا بعد أخذ موافقة البرلمان. وبما أن هناك غيابًا حاليًا للبرلمان بسبب حله من قبل المحكمة الدستورية العليا والمجلس العسكرى يقوم بالدور التشريعى للبرلمان حاليًا، فلا يحق للرئيس المنتخب فى إعلان الحرب بدون موافقة المجلس العسكرى الذى يحل محل البرلمان. وتابع العنانى أنه يجب على الجميع أن يتقبل إيجابيات وسلبيات الفترة الانتقالية ولا نعطى فرصة لتضخيم السلبيات ومراعاة المصلحة الوطنية وترجيحها على المصلحة الشخصية للوصول بمصر إلى بر الأمان لتحقيق التنمية.
الدكتور أحمد رفعت: العسكرى لن يختفى من الساحة السياسية وإعلانه الدستورى يحافظ على وضعه فى مواجهة الرئيس الجديد على سياق آخر، أكد الدكتور أحمد رفعت أستاذ القانون بجامعة القاهرة أنه من الواضح من قيام المجلس العسكرى من إصدار هذا الإعلان الدستورى المكمل أن يرغب فى الحفاظ على وضعه فى مواجهة الرئيس المنتخب متخذًا كل الإجراءات والاحتياطات التى تساعده على ذلك. وأضاف رفعت أن العسكرى احتفظ بحقه التشريعى كبديل للبرلمان المنحل مشارك للرئيس المنتخب فى السلطة فى المرحلة الانتقالية ومحافظ من وجهة نظره على شكل الدولة المدنية. وأشار أستاذ القانون إلى أن المجلس العسكرى بإعلانه المكمل يذكرنا بالنموذج التركى، حيث إن الجيش فى دولة تركيا أعطى لنفسه وضعًا خاصًا فى الدستور للحفاظ على العلمانية وتمسك العسكر فى الحكم بجانب الرئيس، ومع تولى حزب العدالة والتنمية للسلطة فى تركيا وسيطرت قياداته على الحكومة والرئاسة، اختفت سلطة العسكر تدريجيًا. وأوضح رفعت أن قيام المجلس العسكرى بالدور التشريعى هو وضع مؤقت لحين انتخاب المجلس التشريعى وأن العسكرى لن يختفى من الساحة السياسية خلال الفترة الانتقالية، حيث سيساند الرئيس المنتخب فى بعض المهام مثل الحفاظ على الأمن واستقرار الأمور فى مصر. الدكتور نبيل حلمى: هناك استقلالية فى دور الجيش و"العسكرى" توقع أن يأتى رئيس من خارجه من منطلق آخر، أكد الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدستورى وعميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق أن الرئيس المنتخب سيمارس صلاحياته ما عدا التدخل فى شئون القوات المسلحة حسبما جاء فى الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى. وأشار حلمى إلى أن المجلس العسكرى قد توقع أن يأتى رئيس غير عسكرى فأصدر إعلانه المكمل يتفق مع طبيعة المرحلة الانتقالية وأنه بمجرد أن يتم وضع الدستور واختيار مجلس الشعب ستنتهى سلطة المجلس العسكرى فى التشريع. وأضاف عميد حقوق الزقازيق أن الإعلان الدستورى المكمل يسد الثغرات الموجودة فى المرحلة الانتقالية خاصة مع عدم اكتمال سلطات الدولة الدستورية والقانونية والمتمثلة فى غياب المجلس التشريعى. وأوضح حلمى أن هناك تغييرًا فى دور الجيش فى الإعلان الدستورى المكمل، حيث يتمتع بمزيد من الاستقلالية فى إدارة أموره الداخلية. ونوه حلمى إلى أن عدم قيام المجلس العسكرى بإجراء استفتاء شعبى على الإعلان الدستورى المكمل مثلما حدث فى الإعلان الدستورى الذى أصدره العسكرى عقب ثورة يناير يرجع إلى وجود خلاف فى الإعلان الدستورى الأول حول بعض المواد فكان لا بد من عمل استفتاء شعبى على هذا الاختلاف. الدكتور سامى عبد العزيز: الارتباك فى المرحلة الانتقالية انعكس على شكل الإعلان الدستورى من زاوية أخرى، أشار الدكتور سامى عبد العزيز عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقًا إلى أن طبيعة المرحلة الانتقالية والتى تشهد ارتباكا فى السياسة العامة للدولة، قد ألقت بظلالها على الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره المجلس العسكرى ويجب التأنى فى فهم طبيعة هذه المرحلة الحرجة. وأضاف عبد العزيز أنه لن يتمكن أى رئيس حتى لو كان منتخبًا من فرض توجه لا يرضى عنه الرأى العام الذى أصبح أكثر وعيًا وقادرًا عن التعبير عن رفضه عن أى شىء لا يرضى عنه. وأشار العميد السابق للإعلام إلى أن احتفاظ المجلس العسكرى بالسلطة التشريعية جاء لغياب مجلس الشعب بعد حله وحتى لا يجمع الرئيس المنتخب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فاحتفظ العسكرى فى إعلانه المكمل بسلطة التشريع لحين عمل دستور وانتخاب هيئة تشريعية جديدة تسترد السلطة التشريعية من المجلس العسكرى. ونوه عبد العزيز إلى أن العسكرى حاول فى إعلانه الدستورى عمل ما يسمى بتوازن فى سلطات الدولة بسبب غياب إحداها بحكم المحكمة الدستورية العليا. وشدد عبد العزيز على أنه يوجد فى العديد من دول العالم كلمة للجيش فى القرارات التى تحكم مصير الدولة مثل إعلان الحروب والمعاهدات وله دور داخلى فى حفظ الأمن والاستقرار فى حالة حدوث اضطرابات داخلية. وأوضح عبد العزيز أنه يجب العمل على توجيه الرأى العام فى مصر وفقًا للمصلحة الوطنية لتمر المرحلة الانتقالية بأمان وسلام ومحققة لتنمية اقتصادية كبيرة يستفيد منها جميع طوائف الشعب المصرى.