أصابنا ارتياح كبير بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية؛ لأننا شعرنا بقدرتنا على مقاومة التزوير وعلى إنجاح من نريده رغمًا عن أنف الدولة، إنه الارتياح النابع عن الشعور بالثقة بالنفس، والثقة فى الثورة، وفى الثوار وفى الشعب، والثقة فى مقدرتنا على تحقيق النصر رغم كل الانتكاسات والتحديات التى شهدناها منذ الثورة. ولو كان شفيق قد نجح لا قدر الله لكانت البلاد قد دخلت فى أزمة كبرى، بسبب الشك الذى قد يقارب اليقين فى أن الانتخابات قد تم تزويرها.. فلن يصدق أحد أنه نجح نجاحًا شريفًا ونزيهًا.. فالحمد لله. *** ولكن للأسف لم يأت هذا الارتياح والشعور بالنصر خالصًا ونقيًا وصافيًا، بل جاء مصحوبًا بقدر كبير من القلق وعلامات الاستفهام: • فرغم نجاح مرسى، يشعر كثير من الناس أن الأصوات التى أخذها شفيق فى الجولتين ليست حقيقية وأنها ملعوب بها وأن جزءًا كبيرًا منها مزور، وهو ما حال دون استعادتهم لكامل الثقة فى القضاء ونزاهة الانتخابات.. ويشعرون أن عهود التزوير لم تذهب بعد، وهو ما أصابهم بقلق شديد، خاصة بعدما حدث من حل للبرلمان المنتخب على يد الجهات القضائية التابعة، لأنهم يشكون فى أن الانتخابات البرلمانية القادمة قد تزور على غرار ما حدث مع شفيق. • ويشعر الناس أيضًا أنه لولا الاعتصام فى التحرير لما خرجت النتائج هكذا، ولكان الإعلان عن نجاح شفيق هو الأغلب.. وهذا أمر يقلقهم بشدة. • كما يخشى الناس من ألا يستكمل الدكتور مرسى مدته وأن يطيح به المجلس العسكرى، الذى لم يعد له أمان، كما فعل مع البرلمان. • ويشُكُّون أن الدولة القديمة بقيادة العسكرى ستبذل كل الجهود لإفشاله والحيلولة دون تمكينه وستعمل على إجهاض جهوده وتجريد قراراته من أى قوة تنفيذية من أجل حرقه شعبيًا على الوجه، الذى تم مع البرلمان. • ويخشى الناس من أن ينفَذَ صبر الشعب، فينقلب على الثورة وعلى الثوار وعلى الديمقراطية، وعلى الرئيس وعلى ميدان التحرير، إن لم يلمس تغييرات إيجابية سريعة تمس حياته وتسد احتياجاته اليومية، ويعلمون أن الثورة المضادة تراهن على ذلك للانقضاض على الثورة وإجهاضها بمباركة شعبية. • ويتساءل الناس: كم من الوقت يجب أن ننتظر قبل أن نُقَّيم الرئيس المنتخب ونحكم على أدائه، خاصة فيما يخص القضايا الأساسية فى الاستقلال والحرية والعدالة والأمن؟ • ويتساءلون هل سينجح الرئيس فى اكتساب شرعية جماهيرية بعد أن اكتسب شرعية دستورية بالانتخابات، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا باتخاذ قرارات شجاعة وجريئة فى ملفات الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية، قرارات على وزن تأميم قناة السويس والإصلاح الزراعى وبناء السد العالى وإنشاء صناعة وطنية قوية وحرب أكتوبر. • كما يخشى الناس مما قد يجرى فى الكواليس من ضغوط العسكرى للحصول على وزارات بعينها؟ وهل سيعلن الرئيس المنتخب عن هذه الضغوط إن حدثت؟ وهل سيستقوى فى مواجهتها بالثورة والثوار أم سيرضخ فى صمت تجنبًا للصدام؟ • ويتخوف الناس من التدخلات الخارجية الأمريكية والإسرائيلية والخليجية ومن أدواتهم المتعددة للضغط والسيطرة والاختراق والترويض والإخضاع. • ويحتار الناس بين سياسة المصالحة و"الطمأنة للجميع"، التى بدأ بها مرسى ولايته، وبين ضرورة تصفية قيادات وعناصر ومؤسسات الثورة المضادة، التى قد تنقض على الثورة فى أى لحظة. • ويخشى الناس أن تستغل الدولة التناقض القائم بين القوى السياسية وخوف البعض من الإخوان، فى إبقاء العسكرى فى الحكم وامتناعه عن تسليم كامل السلطة بمباركة بعض الأحزاب والشخصيات السياسية. • ويخشى الناس من أن يؤدى تشكيل حكومة سياسية إخوانية أو ائتلافية إلى تشكيل حكومة ضعيفة الكفاءة والأداء والخبرة، ويحنقون على نظام مبارك، الذى عمل على احتكار الدولة لغالبية الكفاءات ذوى الخبرة فى الإدارة والحكم، ويتساءلون عن الحل الأمثل لهذه المعضلة. • ويخشون من انفراد جماعة الإخوان بالحكم مما يمكن أن يعصف بالتوافق الوطنى الهش ويدخلنا فى صراعات تعطل وتعيق استكمال مهام الثورة. • ولكنهم يخشون من ناحية أخرى من أن تؤدى التفاهمات والمجاملات السياسية إلى احتلال شخصيات غير مناسبة لمواقع حساسة فى الدولة مثل مناصب نواب الرئيس. • ويتساءل الناس فيما بينهم عن الدور الأمثل الذى يتوجب عليهم القيام به فى هذه المرحلة لتمكين الرئيس المنتخب وإنجاح الثورة.. وأسئلة أخرى كثيرة. حمى الله مصر والمصريين ووهبهم الحكمة والبصيرة والصبر وأعانهم على الصمود والنصر. ***** [email protected]