من أجل تشجيع إبنتيها علي الذهاب للمدرسة حيث أنهم لا يذهبا للمدرسة إلا نادراً، ولأن الأم تعلم الدور الهام والتربوي للمدرسة، فكرت إحدي الأمهات في أن تتقدم بطلب للعمل معلمة حتي ولو بالأجر أي "بالحصة"، حيث أنها دائماً ما تسمع من مديرة المدرسة بأنه يوجد عجز كبير في المعلمين خاصة في المادة الدراسية مجال تخصص ومؤهل الأم المناسب. وبالرغم من إعتراف الأستاذة المديرة بوجود عجز واضح في المعلمين، لكنها تنفي أي مسئولية للمدرسة عن ذلك لأنهم يخاطبون الوزارة دائماً في سد هذا العجز، فتأتيهم الوزارة بالرد الجاهز وهي "الميزانية لا تسمح". ولأن ثقافة "أبو بلاش كتر منه" أجابت مديرة المدرسة الأم في أنها توافق علي عملها معلمة فقط علي سبيل التطوع، أي دون أجر، فلا تكلف الوزارة شيء وفي نفس الوقت تسد بعض العجز في المعلمين عندها، هذا العجز أصبح ظاهرة متكررة في معظم المدارس الحكومية، خاصة التجريبية منها، فإذا كان العجز في هيئة التدريس وكذلك تكدس شديد بالفصول في هذه المدرسة وهي تجريبية بأحد الأحياء المعروفة بمحافظة القاهرة، فما بالنا بالصورة القاتمة التي يكون عليها حال المدراس بالمحافظات الاخري والقري فيها. ويبدو أن جملة "الميزانية لا تسمح" أصبحت مبرر وحجة لهروب المسئولين من مواجهة المشاكل، والذي يلازمه غياب واضح في فقه الأولويات، وكذلك ضبابية وعدم وضوح في الأهداف لدي البعض ممن يشغلون مراكز صنع القرار في بعض المؤسسات.
وحتي لا تسبب المشكلة صداع ولا تؤرقهم، يبدو أن المسئولين في الوزارة رأوا أن في عدم إنتظام تلاميذ المدارس في الحضور أوغياب تام في معظم مدراس المحافظات في بعض المراحل بها خاصة الثانوية، هو علاج مسكن لمشكلة العجز تلك ، لأنه إذا إنتظم التلاميذ جميعاً في الحضور، لإنكشف الأمر وأصبح واضحاً وجلياً هذا العجز والقصور في العملية التعليمية، أضف إلي ذلك إمتناع بعض المعلمين عن الشرح بصورة مُرضية، وإنشغال بعضهم خاصة بالمدارس الحكومية بالدروس الخصوصية حتي في أوقات عملهم الحكومي.
العجيب والمدهش أننا كثيراً ما نسمع علي لسان المسئولين أو في الإعلام عن ترهل وتكدس موظفين في بعض المؤسسات، للدرجة التي فكرت الحكومة أكثر من مرة لتسريح ملايين منهم، لكن ألا تفكر الحكومة في أن تستعين بهؤلاء الموظفين الزائدين عن الحاجة، من يصلح منهم للعمل في مجال التعليم بعد تلقيهم للدورات الكافية لتأهيلهم بصورة مناسبة، لأنه إذا كان بالإمكان وجود عجز في مؤسسة ما، لكن المشكلة تكون خطيرة إذا كان هذا في المعلمين، حيث التعليم هو قاطرة النهضة والتطور والنمو وتقدم الشعوب. الأكثر عجباً ويدعو للضحك الذي هو ضحك كما قال المتنبي كالبكا، هو أنه في بعض الأحوال نجد ونلاحظ ان الميزانية "سمحت وتسمح" في أمور ومواقف ومشاريع كثيرة قد يكون تأجيلها فيه الحل لبعض هذه المشاكل المزمنة التي تعوق تقدم ونجاح بعض المؤسسات في القيام بدورها بصورة معقولة ولا أقول مثالية.