بينما تواصل إثيوبيا، المضي قدمًا في بناء مشروع سد النهضة على مجرى النيل, دون الالتزام باتفاق إعلان المبادئ, تزداد المفاوضات القائمة منذ 4 سنوات مع مصر تعقيدًا, خاصة عند دخول مرحلة ملء السد, قبل اكتمال الدراسات الفنية. وجدد الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والري، قلق مصر من توجه الجانب الإثيوبي إلى بدء ملء سد النهضة قبل اكتمال الدراسات الفنية بغض النظر عن نتائجها. وأوضح خلال اجتماعه بعدد من السفراء الأجانب والعرب والأفارقة بمقر وزارة الخارجية، أمس، أن هذا التوجه أبداه الجانب الإثيوبي خلال المفاوضات، وصرح بأن مصر تجدد دعوتها للجانبين الإثيوبي والسوداني بالالتزام الحرفي بمستندات التعاقد الخاصة بالدراسات دون تجاهل أي مسألة مذكورة فيها. حسام رضا, الخبير المائي, قال إن "الجانب الإثيوبي سيبدأ عملية تخزين المياه بالسد, مع بدء موسم الأمطار في يونيو المقبل, في الوقت الذي تحذر فيه تقارير محلية إثيوبية وسودانية, وأيضًا دولية من احتمالية انهيار السد, الذي تم بناؤه على منطقة جيرية, وغير مستقرة مهددة دائما بالزلازل". وأضاف رضا ل"المصريون", أنه "يتوجب على مصر الآن التحرك دوليا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة للتحذير من خطر ملء السد, سواء بانهياره, أو التأثير المباشر على حصتها من مياه النيل, التي تبلغ نحو 55 مليار متر مكعب, حيث تعتزم إثيوبيا ملء 75 مليار متر مكعب على مدار 3 سنوات, ما يؤثر على حصة مصر بنسبة 25 مليار متر مكعب من المياه". وأشار إلى أن "الجانب الإثيوبي سيستمر في المماطلة حتى ملء السد, دون إطلاع المكتب الاستشاري الفرنسي على أي تفاصيل من الناحية الفنية, وعلى مصر التحرك من الآن, خاصة بعدما فشلت المفاوضات السياسية واصطف السودان بجانب إثيوبيا، حيث يستخدم السد ورقة ضغط على الجانب المصري بسبب مثلث حلايب وشلاتين". إلى ذلك، وصف نور أحمد نور، خبير الري والموارد المائية، الأمر ب"الخطير"، محذرًا أن "السودان سيكون المتضرر الأكبر حال انهيار السد, ومصر لن تتأثر بنفس القدر, حيث إن مفيض توشكى بمفرده يسع لتخزين 140 مليار متر مكعب, بالإضافة إلى السد العالي بمقدوره تخزين أكثر من 100 مليار". وأضاف ل"المصريون": "حصة مصر المائية الآن من نهر النيل, تحتاج إلى 25 مليار متر مكعب لتصبح 80 مليار متر مكعب, خاصة أن الموسم الذي تريد فيه إثيوبيا ملء السد, يتزامن مع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكا للمياه". وأشار إلى أن "مصر تأخرت كثيرًا في الدفاع عن حقها في المياه, في ظل تعنت ومماطلة ثيوبيا, ولم يتبق الآن سوى التوجه إلى المحافل الدولية, على غرار السودان الذي يدّعي أن منطقة حلايب وشلاتين سودانية". وأوضح أن "مصر لديها مخاوف عدة من المهلة التي حددتها إثيوبيا لملء السد, على مدار 3 سنوات", مشيرًا إلى أن "الجانب المصري اقترح مد الفترة إلى 9 سنوات, حتى يكون التأثير بنسبة 10 مليارات متر مكعب فقط, إلا أن إثيوبيا ماطلت ولم ترد بشأن ذلك". في السياق ذاته، قال السفير مروان بدر، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن "وضع مصر المائي هو الأسوأ من بين دول العالم، لأن معظم موار مصر المائية محدودة للغاية وتأتي من خارج البلاد"، لافتًا إلى أن "سياسة مصر المائية قد بنيت منذ القرن ال19 على عدة ركائز ولكنها بدأت تتهاوى حاليا بسبب عدة متغيرات". وأضاف بدر، خلال كلمته بمؤتمر المجلس المصري للشئون الخارجية السنوي تحت شعار (العلاقات المصرية – الإفريقية.. نحو آفاق جديدة)، أن هناك تنسيقًا بين مصر والسودان عام 1954 فيما يتعلق بمياه النيل ودول أعالي النيل، لكن الوضع الآن أصبح غير قائم وأكبر مثال موضوع سد النهضة. وأوضح بدر، أن "سد النهضة الإثيوبي رغم الأقاويل التي قيلت مؤخرًا باستحالة بناء سدود فوق الهضبة الإثيوبية بسبب وعورة الجغرافيا وشدة انحدارها، إلا أن هذا الموضوع أثبت عدم صحته بعد بناء السد، مشددًا على ضرورة حل تلك الأزمة على عدة اتجاهات مع دول حوض النيل بالكامل". وحول العلاقات المصرية - الإثيوبية وكذلك العلاقات بين مصر والسودان، قال بدر إن "تلك العلاقات منذ خمسينيات القرن الماضي مليئة بالمشاكل ومتوترة ودائمًا ملف المياه كان محور الأزمات مع تلك الدول". واعتبر بدر، أن "سد النهضة الإثيوبي، يعد التحدي الأكبر لمصر، مؤكدا أن بناءه وتوسعته "أمر سياسي" في الأساس والتحكم في المياه الواصلة لمصر، وأن هذا المخطط الإثيوبي تم وضعه منذ عشرات السنين بدعم من الغرب، وأن تحديد موعد بنائه بعد عام 2011 والثورة في مصر كان مدروسًا في ظل الظروف السياسية التي تعيشها مصر في ذلك الوقت". وحول الحلول لمواجهة هذه الأزمة، أكد بدر ضرورة التحرك المصري الخارجي دبلوماسيًا للضغط على دول أعالي النيل لتحقيق مصالح مصر المائية، مستبعدا اللجوء للحل العسكري مع إثيوبيا.