كلمة طفلة فلسطينية بمستشفى العريش تثير إعجاب وزير الخارجية ورئيس الوزراء الفلسطيني    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    "تسلا" تقدم تخفيضات بنسبة 40% لشركات تأجير السيارات بسبب ضعف الطلب    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    قبول طلاب المرحلة الثانية بالثانوي العام في سوهاج بحد أدنى 233 درجة    زيلينسكي: الأسلحة الأمريكية جزء من الضمانات الأمنية بالنسبة لأوكرانيا    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    عبر تقنية زوم.. أوسكار رويز يجتمع مع رؤساء اللجان الفرعية    موناكو يعطل انتقال لاعبه إلى الأهلي السعودي    ندوات توعوية للطلاب وأولياء الأمور بمدارس الفيوم حول نظام البكالوريا المصرية    سقوط سائق "توك توك" خالف المرور وسار عكس الاتجاه في الإسكندرية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    "تموين الإسكندرية" تضبط أسمدة زراعية مدعمة قبل تهريبها للسوق السوداء    لبنى عسل: المهرجانات تعكس القوة الشاملة.. والليلة هشام عباس يتألق من القلعة    باحث: إسرائيل ترفض الصفقات الجزئية وتواصل الحرب لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    نيشان مع شام الذهبي بكواليس حفل أصالة في بيروت    "بيئة القصيم" تدشّن نقطة بيع ضمن مشروع توطين مهنة الزراعة بالمملكة    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    «الرقابة الصحية»: الإسكندرية مؤهلة لتكون نموذجًا رائدًا في تطبيق التأمين الصحي الشامل    نقل مباراة الأهلي وبيراميدز إلى السلام بعد غلق استاد القاهرة الدولي    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    سعر الفضة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025.. بكم الإيطالي الآن؟    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية ال61 للصحفيين الأفارقة    جنايات الفيوم تبرء عامل من تهمة حيازة مخدرات وسلاح أبيض    جوارديولا يثير الشكوك حول مستقبل نجم مانشستر سيتي    موعد إعلان نتيجة تقليل الاغتراب 2025 لطلاب المرحلتين الأولى والثانية    وسيلة رقمية لمواجهة الجريمة ب«عقول اصطناعية».. ما هو مركز العمليات الأمنية الجديد؟ (فيديو)    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    إزالة 53 حالة تعد على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    إيهاب توفيق وكنعان الفلسطينية في محكي القلعة 33    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    إجراء فحص طبى ل907 مواطنين خلال قافلة طبية مجانية بقرية الحنفى فى بلطيم    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    رئيس "الوطنية للانتخابات" يزور النيابة الإدارية: خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري    يعالج الكبد الدهني في هذه الحالة فقط- "FDA" توافق على دواء جديد    وزير الأوقاف ينعى صابر عبدالدايم العميد الأسبق لكلية اللغة العربية    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقلية الأمنية
نشر في المصريون يوم 14 - 06 - 2012

(نسخة خاصة إلى وزراء الداخلية العرب وقادة أجهزتهم الأمنية وكافة العاملين في هذه الأجهزة)
العقلية الأمنية هي التي تنظر إلى كل حركة وسكنة في المجتمع نظرةً أمنيةً متغافلةً أن المجتمع هو قبل كل شيء تجمع بشري له أنماط حياته واختياراته ومن حقه أن يعيش حياةً طبيعيةً وأن يعبر عن آرائه بكل حرية، ويتجاوز هذا الحس الأمني دوره الوظيفي الهادف إلى حفظ الأمن والتصدي للجريمة وللاستخبارات المعادية ليتحول إلى هوس أمني يتوجس خيفةً من هبوب نسمات الهواء وسقوط أوراق الشجر فتحشر الأجهزة الأمنية أنفها في كل صغيرة وكبيرة من شئون الناس وتتدخل فيما لا يخصها..
تنتج العقلية الأمنية في البلاد الخاضعة للحكم الاستبدادي، لأن هذه الأنظمة تحكم الناس بالقوة وليس بالحب والإقناع، لذا فهي في قلق دائم من ثورة الناس ضدها، فتراهن في حكمها على تكميم أفواه الناس وتقييد حرياتهم، وتحيط نفسها بجدار سميك من الخوف وتتصدى لكل من يحاول كسر هذا الجدار أو اختراقه حتى لا يتشجع الآخرون للتأسي به..
الأنظمة الاستبدادية التي تحكم شعوبها بالقوة تعاني من هاجس أمني دائم، وهي تخاف من أي تحرك شعبي وتحسب كل صيحة عليها..
هذا القلق من قبل المنظومة الحاكمة هو حالة طبيعية في أوضاع غير طبيعية إذ لا يتوقع ممن يكره الناس على القبول بحكمه أن ينام هانئ البال مطمئناً، لذا فإن العلاقة عكسية بين مستوى الديمقراطية في المجتمع وبين سيطرة العقلية الأمنية على المنظومة الحاكمة، فحين يصل الحاكم إلى السلطة بطريقة مشروعة ووفق آليات التداول السلمي للسلطة ووفق مبدأ سيادة القانون فإنه سيكون راسخ القدمين ولن يكون حكمه مهدداً بالزوال حتى لو حدثت اضطرابات في البلاد لأن هذا الحكم يضرب بجذوره عميقاً في تربة المجتمع، وبذا يكون رصيد المنظومة الحاكمة من الاستقرار والأمن أكبر، لكن حين يكون الحاكم مغتصباً للسلطة فإنه لن يأمن لمن حوله وسيظل في قلق دائم من أن ينقض الشعب عليه فينتزع منه هذه السلطة، وستكون مراهنته في الاستمرار في الحكم على يقظته الأمنية وإبقاء الناس في حالة الخوف ومصادرة حريتهم، وسيظل هو ذاته ومنظومته الحاكمة محرومين من الطمأنينة إذ كيف يتحقق لهم الاستقرار وهم قد أقاموا بناءهم على أنقاض الآخرين، وسينعكس قلقهم بمضاعفة الإجراءات الأمنية وتقييد حريات الناس والحذر من أي بادرة للتعبير الحر عن الرأي..
في تراثنا الإسلامي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينام آمناً مطمئناً تحت ظل شجرة دون حراسة لأنه كان واثقاً بأنه يأوي إلى ركن شديد وأنه قد أدى الذي عليه تجاه الأمة فلم يعد خائفاً لأن الخوف يأتي من داخل النفس نتيجة إحساس الإنسان بتقصيره في أداء حقوقه، وحين رآه أحد الفرس على هذه الحالة قال كلمته الشهيرة "عدلت فأمنت فنمت"..
والقرآن تحدث عن العلاقة بين الأمن والظلم فقال في سورة الأنعام على لسان إبراهيم عليه السلام: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"..إن الأمن رصيد نفسي يناله الإنسان حين يحقق العدل على مستوى النفس فلا يظلمها بالشرك بالله أو على مستوى العلاقة مع الناس فلا يعتدي عليهم.
المجتمعات الطبيعية هي المجتمعات المصبوغة بصبغة مدنية، والتي ينحسر فيها دور الأجهزة الأمنية وتتراجع مظاهر العسكرة إلى حدها الأدنى، وبمقدار تراجع مظاهر العسكرة والتدخل الأمني في شئون الناس بمقدار ما يكون ذلك مؤشراً إيجابياً على استقرار المجتمع وازدهاره..
دور الأجهزة الأمنية ينبغي أن يظل محصوراً في حدود تأمين البلاد والعباد وضمان سيادة القانون على الوزير قبل الغفير دون أن تدس أنفها في أفكار الناس وآرائهم وأنشطتهم السياسية والاجتماعية، فالفكر يواجه بالفكر وليس من اختصاص الأجهزة الأمنية أن تتدخل في أفكار إنسان أو في أنشطته السياسية والاجتماعية، بل إن من مسئولية قوى الأمن أن تحمي المعارضين السياسيين للنظام الحاكم، وتوفر الحماية الأمنية اللازمة لتظاهراتهم وأنشطتهم الاجتماعية والسياسية دون أن تمن عليهم بذلك، فدورها دور وظيفي لا سياسي كدور الطبيب في معالجة مرضاه دون التفريق بينهم على أساس سياسي، وكدور المدرس في تدريس تلاميذه دون محاباة أحدهم وفق انتمائه الحزبي، كذلك دور الأمن هو أن يؤمن أفراد المجتمع وأنشطتهم دون النظر إلى منطلقاتهم الفكرية وآرائهم السياسية..
مما تتذرع به الأنظمة الاستبدادية في خنق حريات الناس ومصادرة حقهم الفطري في التعبير عن آرائهم هو قولها بأنها تخشى من استغلال أي تظاهرة أو منبر للتعبير عن الرأي في التحريض ضد السلطة الحاكمة وقيادة البلاد نحو الفوضى والفلتان، وهي حجة داحضة تدينهم ولا تبرئهم، فهذا القول يكشف هشاشة الأساس الذي قامت عليه هذه الكيانات وأنه لا يمتلك مناعةً ضد الانهيار..لماذا لا ينهار النظام في بريطانيا مثلاً حتى لو نظمت في قلب العاصمة تظاهرات مليونية بينما ترتجف الأنظمة العربية التي لم تصلها رياح التغيير فرقاً من تجمع خمسين شخص في العاصمة؟؟ لأن النظام في بريطانيا قائم على أساس متين من التعاقد بين الشعب والحكومة، وهناك آليات للتعبير عن الرأي وللتداول السلمي على السلطة، وهناك قانون حاكم، فليس بوسع المتظاهرين أن ينقضوا هذا الأساس المتين حتى لو كان من بينهم آلاف المشاغبين المدسوسين ذوي الارتباطات الخارجية والأهداف الخبيثة لأن هناك قانوناً مهاباً يضمن التعامل مع هؤلاء المدسوسين المخربين، أما حين يكون الأساس هشاً فإن الأنظمة تخاف من أي تظاهر أو تعبير عن الرأي خوفاً من افتضاح هشاشة بنائها وسقوطه، لكن هذا الحذر لن يغني عنها شيئاً لأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي ينتفض فيه الناس ويكسرون القيود والأغلال ويتمردون على واقعهم بعد أن يتراكم في نفوسهم الشعور بالظلم والاضطهاد، لذا فإن الرهان على الأجهزة الأمنية في إدامة الملك في ظل غياب العدل هو رهان خاسر لو كانوا يعقلون ..
سيطرة العقلية الأمنية تقتل المجتمع وتغتال عقوله، وتطمس كفاءاته فتتوقف عجلة الإنتاج، وتعطل طاقاته الإنتاجية، لأن الناس لا تستطيع أن تفكر تفكيراً طبيعياً في ظل هيمنة أجواء الخوف، وفي ظل كثرة القيود والمحظورات، وتدخل الأجهزة الأمنية في تفاصيل الحياة المدنية، فالتظاهر ممنوع والانتقاد ممنوع والحديث عن الأخطاء ممنوع، ودور النشر مراقبة، وتدوينات الانترنت تحت بصر الرقيب، والانتساب إلى الوظيفة يجب أن يسبق بتقييم أمني، وأي مبادرة شعبية هي محل تشكيك وارتياب واتهام بتنفيذ أجندة خارجية..
إن الحياة ذاتها تغتال في المجتمعات الأمنية، ولا يتوقع من مجتمع يصادر حرية أبنائه وينتقص كرامتهم سوى أن يمضي قدماً نحو الهلاك..
والله المستعان..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.