ارتباك واسع وغموض أوسع ارتبطا بالجريمة التي شهدتها الواحات أول أمس وراح ضحيتها ستة عشر ضابطا وجنديا حسب رواية وزارة الداخلية ، على يد مجموعة إرهابية غير معروف انتمائها حتى الآن ، وكل ما نقرأه عنها مجرد ظنون وتخمينات ، لا أحد قدم تفسيرا مقنعا لسبب امتناع الجهات الرسمية عن تقديم أي معلومات أو بيانات للرأي العام طوال أربع وعشرين ساعة تقريبا ، في الوقت الذي كانت وكالات الأنباء العالمية ومواقع الأخبار تتلهف أي معلومة ، ونشرت على مسئولية مصادر أمنية أرقاما مفزعة وخطيرة ، وما زال الناس بسبب ذلك يميلون إلى تصديق ما نشرته تلك المواقع والوكالات العالمية أكثر من تصديقهم للرواية الرسمية ، والأغرب من كل ذلك أن رئيس الجمهورية نفسه التزم الصمت حتى الآن ، وانشغل أمس بحضور احتفالية معركة العلمين ، وكأن شيئا لم يكن ، وكأن الفاجعة التي جرت في الواحات والدم الذي سال ، في بلد آخر ولجنود دولة أخرى ، وليسوا جنوده . والحقيقة أن امتناع الرئيس عن أي كلام أو تعليق يطمئن الرأي العام أو يوضح جهود الدولة ومسئولياتها ، حتى ولو تقديم تعزيته كرئيس الجمهورية لأسر الضحايا ، فضلا عن استقبال ذويهم والتخفيف من وقع المأساة على نفوسهم هو أمر يصعب تفسيره أو تبريره ، لا بد أن يخرج رئيس الجمهورية من وراء ستار مكتبه لكي يواجه الناس ويخاطب الناس ويدافع عن سياساته ويوضح أسباب تلك الكارثة بل الكوارث التي أصبحت متلاحقة ، كما أن الدولة بكاملها يبدو أنها في حالة من البرود السياسي والوطني غير المعهود ، لدرجة أن دولة شقيقة مثل الأردن تقرر إعلان الحداد على ضحايا الإرهاب في الواحات المصرية ، بينما الدولة المصرية ، التي يحمل الضحايا جنسيتها وقاتلوا من أجلها ، لم تحرك ساكنا ولم تبد أي رغبة في أي درجة من درجات الحداد ، هذا أمر يصل إلى حد اللغز ، ما الذي يجري في مصر ؟ . في أي دولة ، بما هي دولة ، هناك ما يعرف بالمسئولية السياسية ، هناك صلاحيات أسطورية حصل عليها رئيس الجمهورية خلال السنوات الماضية ، ومن الطبيعي أن يطرح نفسه السؤال عما فعله بها ، الدولة لم تبخل بشيء ، رغم فقرها وأنفقت الكثير لتحديث قدرات المؤسسة الأمنية ، وترسانة من القوانين الرادعة والمقيدة حتى لحركة المجتمع وقواها السياسية ، بما في ذلك فرض حالة الطوارئ ، وسيطرة شبه مطلقة على الإعلام الرسمي وغير الرسمي وشل قدرات أي حزب سياسي أو مؤسسة مدنية عن أي دور بجوار سلطات ونفوذ رئيس الجمهورية ، وبرلمان يصدق على كل شيء يطلبه بلا أي تردد أو تأخير ، ومع ذلك تبخرت كل التصريحات والوعود والالتزامات التي قدمها عن إنهاء الإرهاب وسحقه وأن الأمور هادئة وتحت السيطرة تماما ، ثم نفاجأ بأن الإرهاب يتصاعد ويتزايد ويزداد توحشا ودموية ، والضحايا تزيد من المدنيين والعسكريين والشرطة ، فمن البديهي أن يكون هناك سؤال بمقتضى المسئولية السياسية عن هذا الفشل الصريح ، والذي ليس له أي وصف آخر سوى الفشل . بعض ما جرى في الإعلام الرسمي والإعلام الموالي لأجهزة سيادية معروفة أيضا كان خارج أي منطق أو تفسير ، هناك إعلاميون نشروا معلومات بالغة الخطورة عن مجريات العملية التي جرت والضحايا واختطاف ضباط رهائن ، كما نشر آخرون أشرطة تسجيل تحوي شهادات أو اتصالات تخص أسرار العملية ، وفيها إهانة بالغة للضباط والجنود وللداخلية نفسها ، هذا مستحيل أن يحدث من تلقاء اختيار هذا الإعلامي ، مستحيل ، وبالتالي ، كان من الطبيعي أن يسأل الناس : من الذي سرب له هذا التسجيل الخطير ومن الذي شجعه على إذاعته ولماذا أذاعه ، وما هي الحسابات السياسية أو الأمنية التي على أثرها قرر إذاعته ، ثم ما جرى بعد ذلك من تضارب بين الجهات التي تملك ولاية على الإعلام ، إذ قرر حمدي الكنيسي ونقابة الإعلاميين وقف أحمد موسى عن العمل لحين انتهاء التحقيق معه ، فانبرى له مكرم محمد أحمد رئيس الهيئة العليا للإعلام وقال أنه ليس من حقه وقفه عن العمل ، وتحول الموقف برمته إلى ما يسميه العامة : مولد وصاحبه غايب . الدولة بكاملها خسرت في موقعة الواحات ، خسرت بمؤسساتها السياسية ومؤسساتها الأمنية ومؤسساتها الإعلامية أيضا ، وجعلت علامات الاستفهام تتزايد في الخارج عما يجري في مصر ومؤشراته ، كما أن الإعلام الخارجي ، سواء التابع للإخوان أو الممثل لقنوات وإذاعات دولية عربية وأجنبية نجح في فرض حضوره وجذب أسماع ومتابعة الملايين من المصريين ، لأنه كان يمتلك القدرة على المبادرة والنشر والتحليل والمتابعة ، بينما إعلامنا المحلي ، الرسمي وحتى المستقل ، كان ينتظر التعليمات ، لأنهم عودوه على ذلك وأرعبوه وأظهروا له العين الحمراء ، فهو إعلام ينتظر من يقول له : قل ولا تقل ، والإعلام عندما تصل به إلى هذا المستوى تكون قد حكمت عليه بالموت ، ومن الطبيعي أن يبحث الناس عن منابر أخرى وقنوات أخرى ومواقع أخرى ، وهذا ما حدث . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1