ما زال اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية حرا طليقا رغم وجود حكم قضائي واجب النفاذ بسجنه سبع سنوات ، وكان قبلها موضوعا تحت المراقبة والسيطرة الأمنية "تحديد إقامة" بناء على حكم قضائي آخر ، الداخلية قالت أنه هارب ، والنيابة تناشد الداخلية بالقبض عليه لتنفيذ حكم المحكمة ، ورئيس الجمهورية يحدث الناس عن "الطابونة" وأن مصر "مش طابونة" تعليقا منه على انتهاك القانون في موضوع الأراضي ، غير أن "الطابونة" رمزية لإهدار القانون بشكل عام ، وكل واحد يعمل ما بدا له وما يراه مناسبا لمصلحته . هروب حبيب العادلي ، وزير الداخلية الأسبق ، حتى اليوم ، لا يقنع طفلا صغيرا بأنه أعجز الداخلية وجهات الأمن الأخرى عن الوصول إليه لتنفيذ حكم القانون ، ولكنها مصر "الطابونة" ، بيد أن هذا ليس هو موضوع هذا المقال في الحقيقة . الموضوع الأغرب هو ما قاله الإعلامي وائل الإبراشي نقلا عن الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه اجتمع بنفر من الإعلاميين ، كان وائل من بينهم ، وحدثهم السيسي عن أن حبيب العادلي كان يتجسس على قيادات المجلس العسكري ويسجل لهم اتصالاتهم وحتى الأمور التي تتعلق بحياتهم الشخصية والأسرية ، وأطلعهم على نماذج من هذه التسجيلات ، والأمر البديهي هنا أن التنصت على قيادات الجيش وتسجيل اتصالات القادة حتى مع أسرهم وأقاربهم هو جريمة عسكرية ، وتستوجب فتح التحقيق رسميا ، ثم محاكمة عسكرية لمن تورط فيها حتى لو كان وزير الداخلية ، وكان هذا الأمر يجب أن يتم فور استلام المجلس العسكري للسلطة بعد تنحي مبارك ، ولكننا حتى اليوم لم نسمع أي تحقيق رسمي في هذه الجريمة الخطيرة ، كما أن حبيب العادلي حوكم على قضايا فساد وتم "تخليصه" من قضايا قتل المتظاهرين ، وبقيت جريمته الأعظم بدون محاكمة ، جريمة التنصت على الجيش المصري وتسجيل مكالمات قادته خارج إطار القانون ، وفي الدولة ، بما أنها دولة ، هذه المحاكمة تكون بديهية ، ولكن في "الطابونة" لا تشغل بالك بذلك . وكان أحد الإعلاميين المقربين من الرئيس السيسي ، والموالين له ، والمتفاخر بتواصله مع الأجهزة الرفيعة ، قد أذاع عبر الفضائيات وعلى الهواء مباشرة ، تسجيلات صوتية تليفونية لرئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق ، الفريق سامي عنان ، وهذا التنصت الجديد تم في عهد المجلس العسكري برئاسة طنطاوي ، لأن الحوار كان بينه وبين الدكتور محمد البرادعي في قضايا تتعلق بثورة يناير وأحداثها ، وفي أي دولة ، بما أنها دولة ، هذا الذي حدث جريمة مزدوجة ، جريمة التنصت على رئيس أركان جيش مصر ، وجريمة إذاعة اتصالات سرية لرئيس أركان الجيش بدون تصريح رسمي من قيادة المؤسسة العسكرية ، ولكن الذي حدث أن أحدا لم يعبأ بدهشة الرأي العام ، واستغراب المراقبين الدوليين للشئون المصرية ، والتزم الجميع الصمت ، وكأنها أمر عادي أن يتم التجسس على رئيس أركان الجيش ثم إذاعة تسجيلات اتصالاته مع القيادات والشخصيات المختلفة ، هذا لا يحدث في "الدولة" وإنما يحدث في "الطابونة" . مصر تعاني أزمات عديدة طوال السنوات الثلاث الماضية ، والأزمة الاقتصادية أكثرها حضورا وضغطا على أعصاب الجميع ، حكومة وشعبا ، ولكن الحقيقة أن أزمة "الدولة" في مصر أعمق كثيرا من ذلك ، فكثيرا ما يتم التصرف في شؤون البلاد باعتبار أن القانون غائب ، أو أن الدولة تدار بطريقة "المجالس العرفية" للعائلات والقبائل في صعيد مصر أو سيناء ، وهي أمور لا تعطي انطباعا بالثقة لدى أحد ، لا مواطن ولا مستثمر أجنبي ، ولا تطمئن أحدا على أن السياسات العامة للدولة الآن تؤسس لمنظومة سياسية واقتصادية ومجتمعية جديدة وجادة ، باختصار ، مصطلح "الطابونة" الذي استخدمه الرئيس لخص لنا حال البلد . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1