فور وقوع العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء والتي استشهد فيها أكثر من عشرين من رجال القوات المسلحة ، سارع الإعلام الموالي للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تكرار الاسطوانة النمطية المحفوظة ، حماس هي المسئولة عن الجريمة ، حماس هي التي دعمت الإرهابيين الذين قتلوا جنودنا ، حماس هي التي سهلت دخول القتلة ، حماس هي التي تمثل التهديد الأخطر على مصر الآن في سيناء ، وكانت المفاجأة أن المتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" أفيخاي أدرعي ، ركب الموجة وكرر نفس الكلام بحرفه ، وكأنه ينقل عن الإعلام الموالي للسيسي أو كأن إعلام السيسي ينقل عنه ، وكلا الاحتمالين فضيحة . حركة حماس في قطاع غزة أعلنت نعيا كبيرا لشهداء الجيش في تلك العملية ، وأقامت صوان عزاء كبير حضره قيادات الحركة بمن فيهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي ويحيى السنوار رئيس الحركة ، وعلقوا علم مصر فوق الجدران وصور الشهداء أيضا ، في مبادرة واضحة على تقارب مصري حمساوي ترجم في الفترة الأخيرة بزيارات مكثفة قامت بها وفود من حماس إلى القاهرة . حماس تلتقي بشكل دوري الآن بجهات سيادية مصرية ، وأجهزة رفيعة ، وتنسق الأعمال ، وهناك تعاون أمني واستخباراتي واسع بين الجهتين ، كما أن هناك اتفاقات لدعم مصري لحركة حماس من شأنه أن يشمل عتادا عسكريا أيضا ، من أجل ضبط الحدود ومنع تسلل المهربين أو المجرمين أو الإرهابيين ، وقامت حماس طوال الشهر الأخير بعملية ضخمة على حدودها مع مصر أشبه بمنطقة عازلة لتأمين حدود مصر وحمايتها ، وبالتالي فعندما يخرج إعلام رسمي أو إعلام موالي لرئيس الجمهورية لكي يهاجم حماس ، أو يردد كلاما سخيفا للمتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" ويقول أن حماس هي التي تورطت في قتل الجنود المصريين ، وأن حماس الإرهابية هي التي تدعم الإرهاب في مصر ، فإننا نكون أمام حالة انفصام سياسي وإعلامي ، أو أننا أمام كيانين يسيطران على القرار في مصر وليس كيانا واحدا ، كيان متحالف مع حماس ويدعمها وينسق معها أمنيا وعسكريا ، وكيان آخر معادي لحماس ويخوض معها صراعا ، وأعتقد أن هذا أمر خطير ويهدد مصالح الوطن وأمنه القومي في الصميم . القاهرة ، أيضا ، رعت اجتماعات عالية الحساسية والأهمية ، بين القيادي الفلسطيني محمد دحلان ، صديق السيسي وحليفه المهم ، وبين قيادة حماس ، وتعددت اللقاءات ، ومن الواضح أنه تم التوصل إلى صيغة اتفاق بين الطرفين ، حسب ما أعلنت مصادر الطرفين ، بما يعني أن القاهرة تضع رهانها السياسي الآن على دور حماس في المنطقة ، فما معنى أن يقوم الإعلام الموالي للسيسي ، أو المتزلف للسيسي بالهجوم على حماس ووصفها بالإرهاب والتآمر على مصر وأنها متورطة في عملية قتل جنودنا في سيناء ، ما معنى هذا "الهطل" الإعلامي المتفشي . والحقيقة أن الاتهامات الملفقة لحماس لم تكن إعلامية فقط ، وإنما هناك جهات أمنية قدمت روايات "رسمية" مثيرة عن دور حماس في تدريب الجماعات الإرهابية التي تضرب في عمق مصر ، وكيف أن هناك كوادر مصرية تذهب عبر الأنفاق للتدريب في غزة على يد قيادات عسكرية حمساوية ثم تعود لتنفيذ عمليات إرهابية ضد المنشآت والجيش والشرطة والقضاة ، وبعضهم ربط بين عملية اغتيال الشهيد العميد عادل رجائي وبين اتصالات مزعومة جرت بين قيادات حماس التي أعطت التعليمات للتنفيذ وبين القتلة هنا ، وكيف أن الجهات الأمنية "اليقظة" سجلت التمام الذي أعطاه القتلة لموجهيهم في حماس بنجاح العملية ، ولا أدري ما هو مصير تلك "الحواديت" الآن ، بعد أن ثبت أن حماس لا تنسق مع الإرهابيين ، وإنما تنسق مع قيادات المخابرات المصرية . من الواضح أن السلطات الحالية لا تتعامل مع الإعلام كمنبر أو جسر للرأي العام ، وإنما تتعامل معه كهتيفة ومهرجين موالد ، لإشغال الناس والرغي بالكلام الفارغ والجاهل والأحمق ، مع الحرص على عزل ذات الإعلام عن أي معلومة رسمية أو أي موقف رسمي ، إنه منتهى الاحتقار الذي يمكن أن يلحق بإعلام في أي بقعة من العالم اليوم . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1 /twitter: @GamalSultan1