من الواضح أن مصر دخلت في نطاق الاستهداف المكثف من تنظيمات الإرهاب على اختلاف مواردها ، ويأتي توالي الأعمال الإرهابية وتوقع المزيد منها حسب تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي ليؤكد على خطورة الأمر ، والحقيقة أن هذه الموجة من الأعمال الإرهابية غير مسبوقة في التاريخ الحديث ، وذلك لأسباب عديدة ، يأتي في مقدمتها حجم التدمير الذي تحدثه العمليات فقد كانت في السابق عمليات اغتيال أو قتل لبضعة أفراد ، واليوم يتعمد القتلة إحداث أكبر قدر من الدمار والقتل وأصبحت عملياتهم تحصد العشرات من الضحايا ، وبصفة منتظمة ، أيضا يأتي من الجرأة على القتل بعد عمليات غسيل دماغ مكثفة ، فظاهرة الأعمال الانتحارية لم تحدث من قبل بتلك الكثافة والتوالي ، شخص يزنر نفسه بالمتفجرات ثم يقتحم مكانا أو معبدا أو سوقا أو حفلا ليفجر نفسه مع الباقين ، هذه وحشية غير معهودة . أيضا تأتي خطورة الموجة الإرهابية الجديدة من تشعب أطرافها ، فلم تعد الدولة أمام تنظيم واحد بعينه يمكن التركيز على ملاحقته ومحاصرته ، وإنما أمام تنظيمات مختلفة ، كلها يستخدم الإرهاب لفرض رؤيته السياسية ، ومن يحلل البيانات الرسمية لوزارة الداخلية سيجد قرابة ثمانية أسماء لمنظمات إرهابية نشطة في مصر ، هذا لم يحدث من قبل أبدا ، كذلك فمعظم هذه التنظيمات تستخدم جيلا جديدا من الشباب غير معروف وليس له ملفات لدى الجهات الأمنية ، وبالتالي يمتلكون القدرة على المفاجأة والتخفي ، كذلك كان في السابق يتعذر على تنظيمات الإرهاب أن تجد ملاذات آمنة ، فتختفي في الجبال أو الأماكن النائية ، الآن الأمر اختلف لأن هناك حواضن اجتماعية بفعل الانقسام الوطني الحاد في أعقاب يوليو 2013 ، كذلك تسببت الصراعات المسلحة المفتوحة في أكثر من دولة في المنطقة ، مثل سوريا والعراق وليبيا ، إلى سهولة وجود ملاذات آمنة للإرهاب وقواعد للدعم اللوجستي والتدريب أيضا . التهديد الإرهابي له روافد فكرية وسياسية عديدة ، تمثل أسبابا جوهرية في تمدده وقدرته على كسب كوادر جديدة ، فمشكلة الإرهاب ليست أمنية فقط ، كما أنها ليست فكرية فقط ، كما أنها ليست سياسية فقط ، ولا دينية فقط ، ولا اقتصادية فقط ، ولا ثقافية فقط ، هي كل ذلك ، وبالتالي أي معالجة حقيقية وجادة ومثمرة لمواجهة الإرهاب وتفكيك خطره ثم دحره ، تستدعي أن تشارك كل تلك القطاعات في البحث والنقاش والتحليل واقتراح الحلول . من هنا ، أدعو إلى تأسيس "مؤتمر وطني عام لمواجهة الإرهاب" ، يمكن أن يكون برعاية رئاسة الجمهورية ، أو البرلمان ، وأن تتمثل في هذا المؤتمر كافة القطاعات المعنية في الوطن بتلك القضية من زاويتها ، فيتمثل الأزهر لمعالجة الجانب الديني ، ويتمثل وزارة الداخلية لمعالجة الجانب الأمني ويتمثل القوات المسلحة لمعالجة الجوانب العسكرية والاستراتيجية ويتمثل فيه أيضا النقابات الكبرى المشتبكة مع قضايا الرأي والشأن العام والقانون ، مثل نقابات الصحفيين والمحامين ونادي القضاة والمجلس الأعلى للإعلام ، ويتمثل فيه أيضا وزارة الثقافة باعتبار الظاهرة في بعض جوانبها أزمة ثقافية ، ويتمثل فيه الأحزاب الكبيرة والمهمة والبرلمان والجمعيات الأهلية أيضا . هذا المؤتمر ينبغي أن يكون بعيدا عن المظاهر الاحتفالية ، وبعيدا عن المجاملات ، وبعيدا عن "التطبيل" السياسي ، هو مؤتمر للجادين والمخلصين من كل تلك القطاعات ، ومن يمتلكون الجرأة على إبداء الرأي والفكرة المخلصة لهذا الوطن ، كما أنه ينبغي أن تكون أجندته في منأى عن التلاوم بين أطرافه ، فليس مطلوبا أن تبحث كل جهة عن تحميل المسئولية على جهة أخرى ، بل الهدف هو تعاون الجميع على وضع خارطة طريق ، ومن المفترض أن يكون انعقاد هذا المؤتمر على مدار عدة أيام ، بعيدا عن النشر وعن المتابعة الإعلامية ، في جلسات مغلقة ، على أن يخرج في النهاية بتوصيات مفصلة عن خطة قومية لمواجهة الإرهاب ، يمكن أن تتحول إلى برنامج عمل للدولة في مكافحة الإرهاب . لا يصح الاستمرار في أسلوب "التجزئة" في المواجهة ، ولا العشوائية في تحديد الخطر ومواقعه ، ولا يصح أن يتحول المصطلح نفسه إلى مجال للمزايدات والاتهامات الرخيصة المتبادلة ، والتي تمتهنه وفي النهاية تضعف من الموقف الأخلاقي تجاهه ، كما لا يصح أن يظل تصور خطة المواجهة محصورة على رؤية قطاع بعينه أو مؤسسة بعينها ، تلك قضية وطن بكامله ، والمؤتمر الوطني الجامع هو الطريق الجاد والعملي والاستراتيجي لمواجهة هذا الخطر المروع . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1