ساعات قليلة وينكشف المستور ويتبين لكل مصرى إنْ كانت ثورته تتعرض يقينًا لمؤامرة إجهاد وإرهاق قانونى ودستوري تمهيدًا لتصفيتها أم لا.. ؟ الساعات القليلة القادمة ستحدد إنْ كان صحيحًا أن هناك محاولات جادة لإشاعة حالات هستيريا دستورية تحدث فوضى وفراغًا يمهد لإعادة إنتاج نظام مبارك من جديد؟ قديمًا أراد فرعون أن يبرر قتل نبي الله موسى متهمًا إياه بأنه يبدل دين الناس ويظهر في الأرض الفساد، والقصة ساقها القرآن لتكون نموذجًا للتزوير في سنوات الاستبداد العجاف ولتوضيح طريقة الطغاة في التخلص من معارضيهم الذين يكشفون أساليبهم وخداعهم وألاعيبهم الرخيصة في تخدير الجماهير وسلب حقوقهم وتنويمهم، وما سلكه فرعون موسى هو نفس سلوك فراعنة العصر، الكبار منهم والخدم، في تخويف الجماهير واستعمال الفزاعات وإثارة الكراهية لهم عن طريق التشويه وقلب الحقائق {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (غافر26) وبالقطع كان خلف فرعون من خدم الدعاية السوداء والرمادية كثيرون يتلقون أوامره ويقومون على تنفيذها بإضافة وسائل جديدة للتشويه والشوشرة والتزوير والكذب ربما لا يعرفها الفرعون نفسه. وفي زمن الردة الأخلاقية يتهاوي الوفاء وتصبح الخيانة هى قاعدة التعامل ويسود قانون المصلحة الشخصية، على حساب المصلحة الوطنية العليا ولو كانت المصلحة الشخصية ملطخة بالفضائح وملوثة بدماء العفة، ومن ثمَّ يصبح الطهر الثوري رجاسة وتتحول البطولة إلى جريمة يستدعي صاحبها ليدافع عن نفسه في ساحات العدالة المزيفة. ومع يقيننا القاطع أن عصور الانحطاط لا يخلو منها تاريخ الأمم والشعوب، وأن الثورات إنما تقوم لتستعيد الشعوب ذاتيتها وكرامتها وتبحث بالثورة عن العدالة المفقودة والحقوق الغائبة والكرامة المستباحة والشرف الذي أوشك أن يضيع وسط خراب الذمم الثقافية والسياسية وحطام الوطنية والمواطنة التى تداس كل صباح بأحذية الطغاة والفراعنة، كبارهم وصغارهم. عهود القهر وأزمنة الطغيان هى البيئة المواتية لصناعة العفن الاجتماعي والأخلاقي والسياسي وهى تلون أطياف الحياة بألوان دماء الكرامة المستباحة والحريات المقتولة وثروات الشعوب المنهوبة. وقد عاشت مصر المحروسة تلك العصور المظلمة والظالمة وعانت من تلك البيئة الملعونة قرابة ستة عقود، ودفعت الجماهير المصرية ثمنًا باهظًا في الزنازين والمعتقلات، فضلا عما عانته من قهر وظلم وتعذيب حتى الموت في الأقبية المظلمة والسجون السرية لأجهزة أمن الدولة التى خرج زبانيتها براءة من قتل المتظاهرين في الثورة بعدما أعدمت كل أدلة الإدانة. الأغرب أن زمن الدعارة السياسية والإعلامية لا يكتفى بطمس الحقائق وخيانتها فقط، بل يعكسها أيضًا فيحول الحارس الأمين إلى قاتل، بينما القاتل يتحول إلى منقذ ومخلص وربما رئيس للجمهورية...! الردة الأخلاقية تتكرر في ظرفنا الراهن، فالدنيا كلها تعرف وتعترف أن كوادر الإخوان وشبابهم كانوا هم قلب الثورة وكانوا في مقدمة شهدائها وهم الذين دافعوا عن الثورة باعتراف خصومهم، وهم الذين التحموا بالقوى الوطنية في كل مدن مصر وكونوا اللجان الشعبية لحماية الوطن من عبث مؤامرات التخريب والحرق والسلب والنهب التى كانت تقوم بها فلول النظام السابق وبلطجية الحزب الوطنى وجيوش وعتاة مجرمي وزارة الداخلية الذين جندتهم أجهزة أمن الدولة لتنفيذ الخطة (100) التى أعدها كبيرهم حبيب العادلى ومساعدوه لقمع وسحق كل مظاهرة شعبية وقطع كل لسان يهتف بالحرية لمصر، ولكنهم في زمن الدعارة الإعلامية والسياسية يتحولون بقدرة عسكري قادر إلى قتلة للثوار ….! أرأيتم استخفافًا بالعقول يصل إلي هذا المدى..؟ ما يحدث الآن يفسر بوضوح تحويل مجلس الشعب إلى كيان مشلول لا قدرة له على فعل أى شىء وكان هذا هو المطلب الأول لتشويه صورة التيار الإسلامى وإظهارهم بمظهر العجز المطلق والفشل الكامل. ومن هذا الباب أيضًا يجب أن يحل مجلس الشعب وأن يسقط مرشح الثورة، وأن يشوه تنظيم الإخوان والتيار الإسلامي بكامله..؟ أدوات التنفيذ جاهزة والقوارض المستأجرة للثورة المضادة بأموال الفلول يمكنها أن تستدعي أصحاب المهارات الخاصة في التزوير والتشويه للقيام بالحملة وأداء المهمة باستضافة خدم النظام السابق وعملاء أمن الدولة الذين أوصت سي بليفينى، وزيرة خارجية إسرائيل السابقة، بوضع كتاباتهم على صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ لأنها تمثل وجهة النظر الإسرائيلية أصدق تمثيل، بينما قرأ الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز مقالاً لواحد من هؤلاء فهبَّ واقفًا وقال بانفعال شديد: "هذا الكاتب يستحق أعلى وسام في إسرائيل". الصحف والفضائيات الممولة بأموال الفلول ومعها التليفزيون الرسمي تمثل الذراع الطويلة للعبث في عقول الجماهير حيث يقومون بما أطلق عليه نعوم تشومسكى هندسة الرأي العام، وتحويل الوطن الآمن إلى ساحة للصراعات بتكرار النغمة الشاذة وما لوثوا به أسماعنا من قبل عن الإمارة الإسلامية في غزة، وعن طالبان المصرية، وعن ليلة قندهار في القاهرة. كما يدعى ويكرر عبد الرحيم علي ومن على شاكلته. مجىء شفيق وظهور عبد الرحيم على مروجًا لحملته يعنى أن جهاز أمن الدولة يعمل بكامل قدراته وأنه يخدم على المرشح العسكري، وأن الثورة قد انتهت وأن مَن يحاول الخروج عليه لن يكون أمامه إلا الصدام مع الدبابات؛ لأن ذلك هو الشرعية والخروج عليها ليس له إلا الإعدام. الكاتب الأمريكي العجوز البروفيسور "نيكوس ريتسوس" أستاذ العلوم السياسية المخضرم في شيكاغو يدعى في مقال له نشرته صحيفتا "تليجراف" البريطانية، و"ديلي ستار" اللبنانية باللغة الإنجليزية، بوجود شراكة بين المجلس العسكري من جهة، وأمريكا وإسرائيل فى إعادة إنتاج نظام مبارك من جهة أخرى، وأن أحمد شفيق هو الخيار الاستراتيجي الجديد لأمريكا وإسرائيل بالشراكة مع المجلس العسكري؟ الكاتب يؤكد أن فرس الرهان أحمد شفيق الذى اشترك في إعداده وتأهيله للسباق قوى داخلية بالشراكة مع قوى أخرى خارجية فقدت بخلع مبارك كنزها الاستراتيجي وتبحث عن كنز استراتيجي جديد فوجدت فيه ضالتها هو الذى يجب أن يمهد أمامه الطريق للوصول إلى كرسي الرئاسة وبالشكل الديمقراطي؟ الكاتب تحدث أيضًا عن استحضار معارك الماضي، بهدف إعادة إنتاج النظام القديم.. ودور أمريكا في شيطنة الثورة وإجهاضها وإثارة التشكيك والتخوين بين القوي الثورية، وعن دور المخابرات الغربية بالمصريين من خلال حرب نفسية تهدف لتشتيت الإرادة والوحدة، وتثير الفزاعات. الكاتب العجوز "نيكوس ريتسوس" أكد أنه بعد سقوط مبارك، كان أحمد شفيق، آخر رؤساء وزرائه، هو الخيار المفضل لدي أمريكا وإسرائيل والمجلس العسكري. ويراهن على استمرار عهد مبارك، وأنه لم ينتهِ وجارٍ إعادة صياغته وتشكيله ليتلاءم مع سياسات إسرائيل وأمريكا. وتساءل الكاتب مؤكدًا مسؤولية شفيق عن قتل الثوار قائلا: "يبقي سؤال راودني: إذا كان قد حكم على مبارك واتهم فى قتل (900) شهيد فلماذا لم يتم الحكم علي رئيس وزرائه في ذاك الوقت "أحمد شفيق"، أليس هو الآخر مسئول وبدرجة مماثلة؟!.. لكن إلى الآن قلوبنا ترفض قبول تلك الوقيعة بين الثورة والمجلس العسكري، وأن جيش مصر منحاز لثورته، لكن أمام عقولنا إرهاصات مخيفة تراها العين ولا تخطئها أبدا، إذ كان ظننا الساذج أن زمن الزيف الثقافي والدعارة الإعلامية قد انتهى بقيام الثورة وبخلع المخلوع؟ في هذه الساعات الصعبة والتى يمكن أن تصيب مصر هستيريا دستورية تعيدنا إلى نقطة الصفر نتذكر حكمة قديمة تقول: "علينا ألا نخون الحقيقة، ولو كان ثمن الخيانة تاجًا أو عرشًا، أو حتى كرسي الرئاسة في قاهرة المعز الجريحة". وما زالت ألسنة الخلق في مصر المحروسة تستعيذ بالله من أن يعود زمن الدعارة الإعلامية الذى يتم فيه اغتيال الحقيقة وخيانة المبادئ وتسويق البهتان والزور واستغفال الشعوب. Email: [email protected]