هل ينجح الإخوان في كسب عقل النخبة بعد استحواذهم على عاطفة الشارع ؟ .. وهل يستطيعون تفادي مواجهة محتملة مع النظام الحاكم في المرحلة المقبلة التي ستشهد - حتما- تربصا وتضييقا قد يصل إلى حد توجيه ضربات أمنية عنيفة تطال كوادرهم وقيادتهم ؟ .. هذه هي أسئلة الساعة بعد النتائج المبهرة التي حققها الإخوان في الانتخابات البرلمانية الجارية .. والمتأمل للحدث السياسي الراهن يلاحظ ثلاثة أطراف محورية تشتبك مباشرة مع هذه النتائج .. أولها الشارع المصري الذي اظهر تجاوبا (عاطفيا) لافتا مع الشعارات الإسلامية المرفوعة ، التي تبشره بالإصلاح والتغيير ، وتقدم له حلم الخروج من الواقع المتردي الذي يعيش فيه بفضل فساد واستبداد حكامه الحاليين .. هذا الشارع هو الذي أيد مرشحي الإخوان ، وذهب بإرادته لانتخابهم ، متحملا رزالات بلطجية الحزب الوطني ، ومتحديا تجاوزات الأجهزة الأمنية ، ونكاية في الإعلام الرسمي الذي حشد أبواقه طوال الأيام الماضية للتشهير بالإخوان وتخويف الناس منهم .. فنجح معظم مرشحي الإخوان رغم كل الألاعيب الدنيئة والحيل الوضيعة .. نجحوا باكتساح مذهل لان الناس معهم .. فظهر الذين يهاجمونهم في صورة المعادين لإرادة الشعب والكارهين لاختيارات الأمة .. فحقت عليهم العزلة عن الناس بانحيازهم إلى الاستبداد ووقوفهم مع الفساد . الطرف الثاني المشتبك في الشأن الاخواني ، هي النخبة المثقفة التي تضم القوى والتيارات السياسية المعارضة للنظام من الليبراليين والقوميين واليساريين والمستقلين ، لكن هذه النخب تتوجس خيفة من الإخوان ، لأسباب معظمها مختلق وبعضها مبرر .. أما المختلق فيقف وراءها اختلافات إيديولوجية ضيقة وقصور معلوماتي منكفئ على انطباعات مسبقة تخطاها الزمن وغيرتها الظروف والأحداث .. فضلا عن خلافات شخصية عميقة - تبدو سياسية - مدفوعة بنوازع بشرية - تبدو فكرية - غير شفافة ولا موضوعية .. لكن ثمة أسبابا أخرى مبررة وراء التوجس النخبوي تجاه الإخوان يمنع التواصل السياسي والفكري بين الطرفين على النحو المرجو منه ويجعله دائما في أضيق الحدود .. وهي أسباب تتعلق بالإخوان أنفسهم ومدى مرونتهم السياسية واستعدادهم للالتقاء في منتصف الطريق مع فرقاءهم في المعسكر المعارض .. ويجب ان يدرك الإخوان أنهم لم ينجحوا حتى الآن في إظهار تلك المرونة المطلوبة في الظرف الإصلاحي الحالي ، فلم تتعدى محاولاتهم السابقة في هذا الشأن المنتظر منها .. وما زال عليهم الكثير ليقوموا به لكسب ثقة النخبة كما نجحوا في كسب ثقة الشارع من قبل .. وقد انتقدهم كاتب هذه السطور من قبل لاغترارهم بشعبيتهم وعدم تنسيقهم مع حركة "كفاية" بالشكل الكافي ، وخروجهم في تظاهرات منفردة استفرد بها الأمن فاعتقل الآلاف منهم .. فيما نجت تظاهرات كفاية من هذا النوع من القمع لأسباب عديدة ، لعل أبرزها ثقل وزن شخصيات الحركة في المجتمعين المدني والدولي ، الأمر الذي يخشاه النظام ضمن حسابات معروفة ، لا يضعها في حسبانه حين يتعامل مع الشأن الاخواني . ولهذا فمن من الخطورة بمكان إغفال دور النخبة في الحسابات الإخوانية المقبلة ، وخاصة في ظل حالة التربص والتحرش التي ستسيطر على سلوك النظام تجاه الإخوان ، بعدما أصبحوا يمثلون قوة المعارضة الرئيسية في البرلمان القادم .. المؤكد أن كل من النخبة والشارع في وضع منفرد وضعيف أمام النظام السلطوي الحاكم ، والمعادلة المطلوبة الآن لتفعيل حركة الإصلاح والتغيير ، هي دمج النخبة مع الشارع في حركة إصلاحية واحدة لتعجيل سقوط الاستبداد والفساد ، وهو ما يعني اندماج الإخوان وكافة التيارات الإسلامية الأخرى (ذات الشعبية) مع القوى المدنية وأحزاب المعارضة (النخبوية) والأقباط المعتدلون في جبهة وطنية واحدة .. ويمثل تحالف الجبهة الوطنية للتغيير ساحة وطنية مناسبة لتفعيل هذا الاندماج ، بشرط تنازل الإخوان عن بعض مواقفهم الحادة وشعاراتهم المثيرة للجدل ، انطلاقا من القاعدة الشهيرة (درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة) .. وأي مفسدة أعظم من هذا البلاء الواقع على البلاد المسمى بالحزب الوطني .. وأي منفعة أكثر من اجتماع الأمة على قلب رجل واحد لإنجاز الإصلاح والتغيير !!! .