الطنطنة الفارغة عن أن القضاء المصرى شامخ ومستقل، أمر يحتاج إلى تصويب ومراجعة؛ لأن نظام مبارك لم يترك صرحاً أو مؤسسة إلا وقد ناله نصيب من الفساد والعشوائية والتوريث والتدهور على كل المستويات، سواء أكان قضاءً أم أزهر أو أى مؤسسة أخرى. الجميع يعلم أن المؤسسات القضائية صارت "عزبة" لأبناء المستشارين والمحظوظين، وأن التوريث طال هذا الصرح العظيم، وهو ما دلل عليه المستشار إسماعيل البسيونى، رئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق، حينما قال "مقبول+ بيئة قضائية = يساوى جيدًا، أى أن خريج الحقوق الحاصل على تقدير مقبول لكن والده قاضٍ فكأنه حصل على جيد، وبالتالى يحق له أن يصبح وكيل نيابة!!! الجميع يعلم أن العديد من أوائل الخريجين فى كليات الشريعة والقانون والحقوق لم ينالوا حقهم فى التعيين خلال السنوات الماضية، رغم حصولهم على تقديرات عالية، لأن آباءهم "فلاحين" أو لأنهم "غلابة على قد حالهم"، فى الوقت الذى يذهب فيه كرسى القضاء والنيابة ومجلس الدولة لأبناء المستشارين وأعضاء مجلس الشعب ورجال الأعمال. والأخطر من ذلك أن التوريث ضرب جذور المؤسسة القضائية، وبتنا نرى أسراً بأكملها تعمل فى القضاء، وقاض يورث المهنة لابنه وابنته بصرف النظر عن مدى أحقيتهما لذلك، أو أهليتهما لهذا الموقع الرفيع، حتى باتت العبارة الشهيرة "أبناء عاملين" عنوانًا لهذا الصرح. الشموخ ليس كلمة تقال فقط، والتاريخ يحفظ للمستشارة نهى الزينى شهادتها عن تزوير انتخابات دائرة دمنهور فى انتخابات 2005 لصالح مرشح الحزب الوطنى د. مصطفى الفقى، دون أن يتحرك وزير العدل أو ينتفض المجلس الأعلى للقضاء لوقف هذه المهزلة حينذاك، كما يذكر التاريخ تعرض المستشار وليد الشافعى لاعتداء ضابط شرطة فى انتخابات 2010 دون أن يتحرك نادى القضاة ورئيسه "المغوار" أحمد الزند لوقف هذه الجريمة. الأمثلة كثيرة على تخاذل رجال القضاء أمام سطوة النظام السابق، ولا ينسى المكلومون والمظلومون قرارات الحبس الاحتياطى، التى كانت تصدر عنهم بحق الإخوان والسلفيين، وقرارات مصادرة الأموال وتجميد شركات المعارضين لنظام مبارك، و"الطرمخة" على قضايا التعذيب بمقار أمن الدولة، والإشراف على انتخابات مزورة "علشان الصورة تطلع حلوة"، وبالتالى فليس من حق أحد مهما علا شأنه أن يدعى الشموخ، والهيبة، للحصول على امتيازات معينة، وكأنه "عرق آخر من البشر". أعلم أن هناك قضاة محترمين، ويشهد لهم الجميع بالنزاهة، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن المؤسسة القضائية تلاعبت بها أيدى نظام مبارك، ونالها الكثير من التدهور والتراجع، وهو ما يفسر حالة القصور فى الأدلة، التى صاحبت قضايا قتل المتظاهرين والتى دخلت جميعًا "مهرجان البراءة"، مع الأخذ فى الاعتبار أن النيابة العامة كجهة تحقيق جزء من المنظومة القضائية لا بد أن تحكم يديها على أدلة دامغة قبل أن تحيل القضية للجنايات. لا شامخ.. ولا مستقل.. هذا حال المؤسسة القضائية، والثورة يجب أن تصل إلى هذا الصرح من المنبع.