الزلزال السياسي الذي أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية في ألمانيا "24 سبتمبر 2017" يبدو أنه يمر مرور الكرام على العرب والمسلمين، وكأنهم لا يتحسبون لارتداداته المستقبلية عليهم، فلا نجد أحدا منهم، مثل إسرائيل، مهتما بالحديث عن الآثار التي قد تترتب على الاختراق التاريخي لليمين المتطرف للانتخابات، ودخوله البرلمان "البوندستاج" لأول مرة منذ 68 عاما، أي منذ الجمهورية التي تأسست بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، وإجراء أول انتخابات حرة فيها عام 1949. الحزب صاحب الأجندة المتطرفة اسمه "البديل من أجل ألمانيا"، وقد حصل على 12.6% من مجموع أصوات الناخبين، وبذلك يكون قد تخطى عتبة ال 5% اللازمة لدخول البرلمان، وفي الانتخابات السابقة عام 2013 حصل على 4.7% فقط، وفشل في التمثيل البرلماني، وبذلك يكون خلال 4 سنوات قد نجح في زيادة شعبيته التصويتية بنسبة 7.9%، وهي نسبة كبيرة أطاحت بعقول الساسة الألمان في الحزبين الكبيرين الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة أنجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي بزعامة مارتن شولتز. حزب البديل هو الوعاء السياسي الحاضن لكل تيارات التطرف في ألمانيا من قوميين، وشعبويين، ونازيين جددا، ومعهم الغاضبين من بعض سياسات ميركل خاصة في ملفي اللاجئين، وإنقاذ الدول الأوروبية التي واجهت الأزمات المالية والديون والإفلاس. ليس بالضرورة أن يكون الحزب نازيا صريحا، فهذا ممنوع بحكم الدستور والقانون، لكن جوهر برنامجه وأفكاره ودعواته وشعاراته وخطابه لا يبتعد كثيرا عن صلب الفكرة النازية، فهو يضرب مجددا على وتر القومية الألمانية، ورفعة شأن كل ما هو ألماني على ما عداه، ويستفز الشعور الوطني نحو التفوق، ويثير الحنين للماضي حتى لو كان مؤلما، ومن ذلك دعوة بعض قادته للألمان للافتخار بجنودهم خلال الحرب العالمية الثانية. الحزب يعادي بشكل واضح الأجانب، واللاجئين، والإسلام، وتلك منطقة احتكاكه مع العرب والمسلمين، كما أنه جزء من الموجة اليمينية الصاعدة التي ترفض الاتحاد الأوروبي، وتدعو لتفكيكيه تحقيقا لفكرة الانعزال الوطني، وعدم تحمل أثقال الآخرين، ويجد فيما فعله البريطانيون بالتصويت للانفصال عن الاتحاد نموذجا يجب أن تحتذي به الشعوب الأخرى. هذه ليست وطنية، بل شوفينية استعلائية جلبت الكوارث على ألمانيا والعالم، وفيها استغلال للشعور القومي في الترويج لأفكار تهدد التعايش الداخلي بين الألمان والوافدين عليهم والتعايش الإنساني بين البشر عموما، وإثارة الأحقاد في المجتمعات، وزعزعة استقرارها الداخلي، والحزب يستغل المشاكل الحياتية التي تواجه بعض الألمان ويلقي بالمسؤولية عنها على قرار المستشارة أنجيلا ميركل بفتح الأبواب لاستقبال اللاجئين، واللعب الانتهازي على هذا الوتر هدفه جذب الجمهور، وزيادة الشعبية، وحصد الأصوات وصولا للتأثير في صناعة القرار وتوجيهه بما يخدم أهدافه المتطرفة، وما ظل يسعى إليه حثيثا يتحقق اليوم فقد صار القوة الثالثة في البرلمان مستبقا أحزابا أقدم وأعرق منه. في كل بلد أوروبي تيار يميني متطرف، وهذه التيارات تشهد صعودا انتخابيا مقلقا، وإذا كانت الديمقراطية، ودولة القانون والمؤسسات، والوعي الشعبي، كفيل بوضعها تحت السيطرة ومحاولة لجم نوازعها الشريرة، فإن الخطر الصاعد في ألمانيا يحوز الاهتمام لأنه من هذا البلد وليس من أي بلد آخر في أوروبا والعالم خرجت النازية المتخلفة، وأشعلت حربا عالمية راح ضحيتها الملايين، وخلفت الدمار الهائل، علاوة على أن ألمانيا كانت دولة أساسية في الحرب العالمية الأولى. كان الاعتقاد أنه في عام 1945 تم دفن النازية حزبا وفكرة وشعارات وممارسات غير إنسانية مجنونة مع انتحار رأسها ومجرمها الأكبر هتلر وهزيمة ألمانيا وإعلان استسلامها وتقسيمها إلى قسمين شرقي وغربي وخضوعهما لاحتلال سوفيتي وأمريكي حتى استعادت وحدتها بسقوط جدار برلين، لكن التاريخ يصر على مواصلة لعبته، فلا فكرة بشرية حتى لو كانت شريرة خرجت يوما للحياة ووجدت من يتبناها ويروج لها قد اُقتلعت من جذورها للأبد، النازية تعود رسميا إلى المؤسسة التشريعية في بلد المنشأ بعد أقل من سبعة عقود، وهي سبق وعادت منذ فترة إلى الشارع عبر مجموعات شبابية منظمة تعلن عن نفسها من خلال المسيرات، ورفع الشعارات الدعائية العنصرية الصريحة، والاعتداء على الأجانب، وتهديد الساسة الذين يقفون في وجههم. النازية في مرحلتها الغابرة استهدفت أعراقا وقوميات وطوائف وأصحاب أديان، وضمن ضحاياها عرب ومسلمون، واستهدفت أيضا فئات من الشعب الألماني من المعاقين، والمتخلفين عقليا، والعجزة، وأصحاب الأمراض المزمنة، لتنشئ المجتمع النقي من الجنس الآري فقط باعتبار أنه أعلى وأرقى الأجناس البشرية، ومادونه يعمل في خدمته، أو لايستحق البقاء، وكذلك لبناء المجتمع القوي الحيوي المنتج، وهذا كان تمهيدا للحرب التي يخطط لها هتلر للسيطرة على العالم، وتسخيره لخدمة ألمانيا العظيمة القائدة، وتعميم النازية، واليهود برزوا باعتبارهم أكثر الضحايا، وصُورت الإبادة والمحارق وغرف الغاز التي أقامها النازيون لهم كأنها هي المأساة الكبرى للحرب. أما النازية الجديدة التي تطل برأسها اليوم من برلمان ألمانيا حتى لو كانت لا تماثل النازية الأولى، ولا تحمل اسمها، فإنها تحمل رائحة كريهة منها حيث تستهدف الإسلام والمنتمين إليه، وهذا ما لانجد العواصم المعنية غير عابئة به. والحديث موصول. [email protected]