بعد انتهاء مارثون انتخابات البرلمان الأوروبى فى 28 دولة ثانى اضخم انتخابات ديمقراطية فى العالم بعد الهند لا يوجد حديث فى ألمانيا سوى عن موضوعين أولهما المفاجأة الكبرى التى حققها حزب «البديل من أجل المانيا» اليمينى المتطرف المعاد للوحدة الأوروبية والنقدية والمتستر فى رداء ديمقراطي، والثانى هو الثمن الذى سيسدده المحافظون فى المانيا وعلى المستوى الأوروبى لكتلة الاشتراكيين لتدعم تعيين المرشح المحافظ جان كلود يونكر رئيسا للمفوضية الأوروبية خلفا لمانويل باروزو. لقد اسفرت الانتخابات الأوروبية فى ألمانيا عن تراجع طفيف لشعبية اليمين المحافظ الممثل فى الاتحاد المسيحى الديمقراطى بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل ولكنه احتفظ بموقعه كأقوى قوة سياسة فى البلاد معتمدا كالعادة على الشعبية الكبيرة للمستشارة بين الألمان من كل التوجهات كرمز لاستقرار المانيا وقيادتها لأوروبا. فى المقابل احرز الإشتراكيون نصرا صغيرا بتقدمهم بسبع نقاط مئوية دفعة واحدة مقارنة بانتخابات عام 2009 فى مؤشر على رضا الناخبين عن أداء الحزب الاشتراكى الذى يشارك فى حكومة ميركل وتمكن من فرض بصمته الإجتماعية على العديد من القوانين مثل فرض حد ادنى للأجور فى المانيا وتعديل قوانين التقاعد والمعاشات لمصلحة المواطنين. وفيما حل حزبا الخضر واليسار فى المرتبة الثالثة والرابعة على الترتيب تمثلت المفاجأة الحقيقية فى حزب «البديل من اجل المانيا» اليمينى المتطرف الذى انطلق من الصفر ليحصد 7% من الأصوات ما يمنحه سبعة مقاعد كاملة فى البرلمان الأوروبي. وكنتيجة مباشرة لهذه الصدمة الانتخابية التى سببها الحزب للأحزاب الديمقراطية التقليدية فى المانيا والتى شعرت بتهديد جديد يمكن ان يعيد ترتيب خريطة القوى السياسية فى البلاد، يواجه الحزب وقياداته حملة انتقادات شرسة تهدف لكشف وجهه المتطرف للناخب الالمانى وتصعيب مهمته فى الدخول فى تحالفات داخل البرلمان الأوروبي. قيادات الحزب الصاعد تؤكد ان الناخبين المستائين من سياسة ميركل الأوروبية فى إنقاذ المصارف وسداد ديون الدول المديونة كاليونان والبرتغال بأموال الضرائب الألمانية، هم الذين منحوا الحزب اصواتهم لأن أفكاره تمثل بالنسبة لهم البديل الصحيح من اجل المانيا. أفكار يروجها رئيس الحزب واستاذ الاقتصاد برند لوكه وايضا رئيس اتحاد الصناعات الألمانى السابق هانز اولاف هنكل لإقناع الألمان بأن الوحدة النقدية تضر بإقتصاد ألمانيا القوى وانه يتعين على برلين طرد دول جنوب أوروبا المأزومة اقتصاديا من منطقة اليورو أو تأسيس مجموعة يورو شمالية تضم معها فقط النمسا وهولندا وفنلندا، أو العودة للمارك الألمانى من جديد. غير ان الاتهامات موجهة للحزب بأنه يخاطب اساسا مؤيدى وناخبى اليمين المتطرف عندما يطالب فى حملته الانتخابية بوقف الهجرة إلى المانيا، بما فى ذلك هجرة الأوروبيين من دول الاتحاد الأوروبى الفقيرة مثل رومانيا وبلغاريا او البرتغال وإسبانيا لأنهم يشكلون عبئا على الاقتصاد. ورفع الحزب اثناء الانتخابات شعارا استخدمه من قبل الحزب القومى الألمانى المتطرف وهو «المانيا ليست هيئة الضمان الاجتماعى العالمى». وقد ردت قيادات الحزب الجديد على هذا الاتهام بأنه حتى حكومة المستشارة انجيلا ميركل تعد قانونا يمنع وجود الأوروبيين أكثر من ستة اشهر فى المانيا إذا فشلوا فى الحصول على وظيفة! غير ان قائمة الاتهامات للحزب الجديد طويلة، حيث كشفت تقارير إعلامية عن أن اعضاء فى الحزب شاركوا فى مؤتمرات للحزب القومى المتطرف فى دريسدن، كما أن هناك تصريحات عديدة لرئيس الحزب برند لوكه معادية للمسلمين فى ألمانيا. كما أن احد مرشحى الحزب لبلدية ماجدبورج فى شرق المانيا لديه ماض نازى بمشاركته فى عام 1994 فى مطاردة قام بها النازيون الجدد لمواطنين اجانب فى المدينة واثارت استياء واسعا فى أنحاء البلاد. كذلك كشفت تقارير استقصائية لوسائل الإعلام الألمانية عن أن عددا كبيرا من الناشطين فى اتحاد الشبيية الألمانى المتطرف انضموا لحزب «البديل». فضلا عن التصريحات المثيرة للجدل لكونراد آدم المتحدث باسم الحزب الذى طالب بمنع العاطلين والمتقاعدين من المشاركة فى الانتخابات الألمانية لأنهم عبء على المجتمع. ويحاول حزب البديل من اجل المانيا جاهدا التصدى لهذه الهجمة والتأكيد على انه ليس حزبا يمينيا متطرفا وانه لن يسعى للتحالف مع اليمين المتطرف فى البرلمان الأوروبي، بل صرح رئيس الحزب لوكه بأنه يعتزم الانضمام لكتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين التى تضم المحافظين البريطانيين وحزب العدالة والقانون البولندى المحافظ. غير ان التصريحات المتناقضة الصادرة من داخل الحزب تؤكد ان الاتهامات الموجهة لها قد تكون صحيحة وانه من الصعب التخلى فجأة عن افكاره المتطرفة بعد ان حقق النجاح المطلوب فى الإنتخابات! وبالتوازى مع الجدل الدائر فى المانيا حول مستقبل هذا الحزب الجديد توجهت الأنظار للمستشارية الألمانية التى استضافت إجتماعا طارئا للمستشارة انجيلا ميركل و رئيس الحزب الاشتراكى الديمقراطى زيجمار جابريل للتشاور حول المرشح الذى ستدعمه المانيا كرئيس جديد للمفوضية الأوروبية. ويبدو انه تم الاتفاق على ان يدعم الاشتراكيون الأوروبيون انتخاب جان كلود يونكر مرشح المحافظين الذين يمثلون عدديا الكتلة الأكبرفى البرلمان الجديد ولكنهم يحتاجون لنصف اصوات البرلمان الأوروبى لإنتخابه فى منتصف شهر يوليو المقبل. وفى المقابل ستتنازل المستشارة وحزبها المسيحى المحافظ للإشتراكيين عن منصب المفوض الأوروبى الذى سيشغله مرشح الاشتراكيين مارتين شولتس. ومعروف ان كل دولة من دول الاتحاد لديها الحق فى تعيين مفوض أوروبي. غير ان تعيين رئيس المفوضية الأوروبية جزء من حزمة مناصب أخرى لابد ان يتفق حولها رؤساء دول وحكومات الاتحاد بدأ بالفعل التشاور حولها.