دولة كردستان المقترحة معزولة تماما داخل محيط عربي وتركي وإيراني رافض لها بشدة، إضافة إلى الموقف الدولي غير المرحب إطلاقا. كيف ستتعامل كردستان مع العالم الخارجي وهي محاصرة ، وكيف يمكنها تمويل حرب لن تكون نزهة إذا ما قرر الحشد الشعبي شنها في المناطق المتنازع عليها، فقد حذر كريم النور القيادي في منظمة بدر (الشيعية) بأن وجهتهم القادمة ستكون كركوك والمناطق المتنازع عليها. المناطق المتنازع عليها تشمل كركوك الغنية بالنفط وأجزاء من نينوى وديالي في شمال العراق. المشهد معقد للغاية ولا يمكن لمسعود برزاني القفز عليه بسلام. هناك أكثر من أقلية كردية مجاورة تخشى الدول التي تعيش بين ظهرانيها أن تنزع للاستقلال إذا نجح استفتاء كردستان في فرض الأمر الواقع. الأكراد هم رابع أكبر أقلية اثنية في الشرق الأوسط، يتراوح عددهم بين 30 و40 مليونا يتوزعون على المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركياوالعراق وسوريا وإيران وأرمينيا. في العراق تبلغ نسبتهم بين 15 و20% من إجمالي عدد السكان البالغ 37 مليون نسمة. مسعود برزاني له تاريخ مع النزعة الاستقلالية، فقد ولد في العام نفسه الذي اسس فيه والده الملا مصطفى برزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني معلنا قيام جمهورية "مهاباد" في أقصى شمال غرب إيران عام 1946 التي لم تستمر سوى 11 شهرا، بدعم من جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي الذي توغل في كردستان إيران انتقاما من الشاه رضا بهلوي لما قيل عن تعاطفه مع هتلر. وكان ستالين يطمح إلى بسط نفوذ السوفييت في المنطقة كقوة عالمية بازغة بإقامة كيانات موالية له ومنها الكيان الكردي. الملا مصطفى برزاني هو قائد الثورة الكردية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكان اسمه معروفا للعامة في مصر. وشكلت وفاته عام 1979 في واشنطن التي أقام فيها مع ولده "مسعود" خبرا مهما رغم المعروف عنا كمصريين من إفراط في الشأن المحلي. هذا التاريخ أدى إلى المقارنة الحالية وإلى المخاوف الإقليمية، فإذا كان مصطفى برزاني أقام دولة في كردستان إيران، فقيام ولده المولود في "مهاباد" الإيرانية بالاستفتاء على استقلال كردستان العراق، يعني أن هناك اتجاها لانشاء وطن قومي ممتد للأكراد من الحدود العراقية إلى التركية والإيرانية والسورية. القياس هنا الوطن القومي لليهود في فلسطين وشعاره من النيل إلى الفرات. لا ننسى الترحيب الإسرائيلي الحار بالدولة المقترحة التي ذكرتهم بقيام دولتهم، وهو الوحيد بين المجتمع الدولي الرافض لخطوة الاستفتاء وتوابعها. تربط إسرائيل بالجانب الكردي العراقي علاقات وثيقة. في إسرائيل يوجد أكثر من 200 ألف يهودي كردي كثيرون منهم هاجروا من العراق، وتقول كثير من الأسر التي تحدثت لصحيفة واشنطن بوست أن مسعود بارزاني ساعد على تهريبهم عبر الجبال. خلال السبعينيات، قدمت دعما عسكريا للأكراد، بما في ذلك المدربين والأسلحة المضادة للطائرات. إذن الاستفتاء ليس نهاية القصة. ولادة دولة كردية ليس بالأمر الهين في ظل الأوضاع الدولية السائدة، وما يجب أن يفعله العراق حاليا أن يضغط على نفسه وعلى أعصابه لاستعادة الأكراد كأحد مكونات شعبه وعدم السماح لإسرائيل بالسعي إلى وجود كيان حليف له على الحدود الإيرانية – كما فعل جوزيف ستالين- انتقاما مما فعلته إيران بخلق حزب الله في لبنان. لا يجب أن يكون استقرار العراق ووحدته ثمنا للصراعات الإقليمية.