العلمانية هي أخطر ملفات الأمة لسبب بسيط هي أن العلمانيين هم شريحة من الأمة نفسها بل هم من الملأ أصحاب الحظوة في الفن والثقافة والسياسة وهذا المقال هو تلخيص للمفاهيم وليس تروجياً لها . وحتى لا نخطئ الخطأ الشائع بين المؤيد والمعارض سنبدأ بضبط مصطلح العلمانية وهنا تظهر لك مفاجأة مهمة وهي عدم وضوح التعريف حتى بالنسبة لأصحابه فتجد التعريف الأولي للعلمانية عند ظهورها بعد تصادم الكنيسة مع العلماء وصكوك الغفران في القرون الوسطى فكان التعريف الأول ( أنها فصل الدين عن الدولة ). ولك أن تتخيل أي صاحب دين يسمع هذا التعريف سينفر تماماً خاصة إذا كان هذا الدين به تشريعات في الأحكام كالاسلام واليهودية فمن الذي سيطبق أحكام الشرع واحكام الميراث ؟ ثم يظهر التعريف الثاني للعلمانية ( أنها تحييد الدين ) بمعنى أن مواطني الدولة لهم نفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن الانتماء الديني لذلك تجد العلمانية بهذا التعريف هي ملخص مطالب الاقليات الدينية في اي مجتمع بما فيهم المسلمين في أوروبا ويلح على هذا التعريف أصحاب الدولة الوطنية أو أو الدولة القُطرية ( بضم القاف )ويخالفهم المروجون لهيمنة أصحاب دين معين وسيطرته على العالم وفرض رؤية دينية عالمية وهم في الغالب المنادون بعودة الدولة الدينية الجامعة ومفهوم الخلافة بما يقتضيه من أحكام بداية من بناء دور العبادة وحتى جهاد الطلب ( الغزو والفتوحات ) وكذلك أصحاب مشروع سيادة جنس معين على العالم أو السيطرة على العالم عبر منظومات سرية وكل أصحاب الايدلوجيات الشمولية التي لا تعترف بالحدود بين الدول . ثم يخرج التعريف الشائن للعلمانية ( وهي دولة مدنية ضد الدين ) وللأسف غالب معتنقيها هم مثقفو العرب المعروفون بعداءهم للدين نفسه ولهم تجارب ومعارك سأذكر منها مثالاً واحداً وقع في تونس إبان حكم الرئيس"بورقيبة" إذ رأى أن صيام شهر رمضان سوف يؤثر على الانتاج وليست المشكلة في قناعاته فحسابه على ربه ولكن المشكلة أنه قرر أن يفرض ذلك على الشعب التونسي فقرر" بورقيبة" الدعوة لذلك ودعا الفقهاء والوزراء وألقى بياناً على الشعب التونسي المسلم يطالبهم بعدم صوم رمضان حتى لا يتأثر الانتاج وهنا خرج الشيخ الطاهر بن عاشور – لا حرمنا الله أمثاله – ليقول صدق الله وكذب " بورقيبة" وقرأ قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " .. لتسقط دعوى " بورقيبة" بالضربة القاضية .. ويبدو أن تونس على موعد آخر مع وجه جديد من وجوه العلمانية المتطرفة إذ خرج الرئيس التونسي الحالي بمقترح( يطالب بحق زواج المسلمة التونسية من غير المسلم والمساواه بينها وبين الرجل في الميراث ) .. والحمد لله خرج بيان الأزهر شافياً ومفنداً لادعاءات الرئيس التونسي إذ وضح أن التشريع الاسلامي لايوزع الميراث طبقاً لجنس الوارث ووضح ذلك وأقر أن آيات الميراث في القرآن محكمة واضحة الدلالة وغير قابلة للتأويل أو التعديل وأتمنى أن تقف بنفسك على هذا البيان لما فيه من الفوائد . هذا ملخص صغير لمصطلح العلمانية في العالم العربي وما يهمنا هو الشق التطبيقي أما الشق الاعتقادي فهو يلزم صاحبه وفي المقال القادم بإذن الله سنتكلم عن أصل العلمانية وكيف وصلت للمسلمين وأول تجربة علمانية في ديار المسلمين ومآلها . [email protected]